الشعر هذا الكائن المحتمل

الشعر هذا الكائن المحتمل
آخر تحديث:

ياسين النصير

أي كلمة فيها شيء من الرومانسية  تتلقاها أنثى القرية  كافية لأن تتحول إلى شعر. وأي عمل متقن يتأمله البعض بنيته  يحمل في انعكاس الرؤية شعرا. كنت أقول لأمي صباح الخير، كانت ترد علي بكلمات ليس فيها أي صباح، مجموعة أدعية تستنطق السماء بها من أجلي، أليس ما تقوله الشفاهية الشعرية أعمق كثيرا مما يقوله الكلام؟. حسنا ليس لدينا في هذه الحالة إلا أن نكون ضمن  الحقل المخضوضر بماء الندى.يحسسني الشاعر بأنه مهموم ، وعندما أقرأه أجد أن همومه اللُّغة، اللغة لا تملأ المسافة بيني وبين العالم. مهما أوتيت ياصديقي الشاعر من جمال الصورة، ودقة الإيقاع، وحسن التركيب، ووضوع النبرة، دون أن تشعر أننا نحن العالم لن كتب الشعر. في سياق انتماءاتنا السياسية، كنا ننتمي للشعرية أن تبني بيتها في المخيلة المستقبلية، من أجل وطن حر وشعب سعيد، هكذا تغني أقدامنا ونحن نخطو بعلى شارع الحياة.  أية مفردة منها كافية بأن تلقنك الشعر، حقيقة أننا لا نعرف كيف نقول، دون انتماء، اين المفر عندما لا تجد خرجك ممتلئا بالحياتي، أين تولي وجهك؛ والسوق، والشارع، والعربة، والأسرة، والأصدقاء، والكتب، ليس من صنع حياتك؟ اين؟. الحبيبة، هذه التي كنت تبني لها بيتًا من التصورات، لم تعد حبيبة عندما اكتشفت أنَّك لاتقول لها إلّا ما يؤكدها. الشعر نتاج مغاير للمألوف. الحب وحده يملك أن يكون نقيضا لنفسه. لست سعيدًا عندما أكتب عن الشعر، وأحيله إلى قضايا اجتماعية، سعادتي ان أكتب عن الشعر عندما أعيشه، أكونه، التقي به في قارعة الطريق، أشمّه، اتنفسه، ألمسه، أحك جلدي بجداره، عندئذ لا أعرف من يكتب كلمات الشعر أنا أم هو. لا تأتي القصيدة وأنت سيدها، تعال إليها وأنت عبدها، خادمها، مطأطئ الرأس لها، أنَّ الشعريَّة تؤلف قامة الشاعر، وليس العكس، هكذا تُنبئنا العمارة، وهندسة الطرق، وتنظيم المدينة، ومؤسسات الحرية،والنظافة، والتعليم، ثمة أشياء يؤلفها العالم، ويرسلها  إلينا، وعلينا ان نستقبلها كرسالة إلهية، الشعرية لن تولد في بلد متخلف، ولن تخلق من تراكم العادات والتقاليد البالية، ولن تنتجها عقليات مسلحة بالخرافة، ما يكتب من شعرية حديثة يعود الفضل به إلى الغربيين المحدثين الذين استبدلوا اسلحتهم الثقافية الآن بأسلحة المحتلين  فغيروا من سياق اللغة، واكتشفوا تخلفنا عندما تحكموا باقتصادنا وهويتنا. من يرفض الفن والشعر، والموسيقى، والحب،لايسمح بمولد الشعرية، وبحكم العولمة فرض المحتلون الجدد لغتهم اللامرئية لتتلبس ألسنتنا وقواعد بلاغتنا، ومن يقول أنَّ الشعريَّة عندنا نتاج لتطور مجتمعنا، يعيش وهمًا، لأن مجتمعا يؤمن بالخرافة واقعا لايؤلف شعرية.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *