تجري اليوم اكبرُ عملية تزوير لمعنى الشهادة ومنح صكوك الشهادة للقتلة والمجرمين، وبالعكس تماما من كل هذا التزوير المذهل للتاريخ يتم تغيير صفة القتلة الى شهداء، والشهداء الى تراب لاقيمة له!.
ومثلما تحول الفارون عن خدمة العلم الى (ابطال)، والمستقيلون والمسافرون العاديون الى عمان واربيل والسويد ونيوزلندا وهولندا الى (مفصولين سياسيين!!) الذين عادوا الى العراق بعد عشر سنوات من الاحتلال والتغيير للمطالبة بحقوقهم (الوطنية!!) وامتيازاتهم المادية، يجري اليوم تحويل القتلة والمدانين في جرائم ومجازر جرت في عام 1959 الى شهداء، وتحويل المقتولين والمسحولين بالحبال في شوارع كركوك والموصل الى حفنة تراب تذروه الرياح!.
عبدالكريم قاسم رحمه الله هو الذي أحال الذين ارتكبوا مجزرتي كركوك في 14 تموز 1959 والموصل في اذار من العام نفسه الى المحكمة العسكرية، وبعد عدد من الجلسات حكموا بالاعدام شنقا حتى الموت، إلا ان الزعيم لم ينفذ الاحكام ووضعها في درج مكتبه بوزارة الدفاع بانتظار الفرصة المناسبة للتنفيذ، وبعد نجاح انقلاب 8 شباط 1963 عثر الانقلابيون في مكتب الزعيم على المراسيم الجمهورية الخاصة بأحكام الاعدام بالمدانين بمجزرتي الموصل وكركوك، إلا انها كانت خالية من توقيع رئيس الوزراء عبدالكريم قاسم، فوقعها المجلس الوطني لقيادة الثورة، وليس عبدالسلام عارف أو أحمد حسن البكر، ونفذت الاحكام ثأرا لشهداء الموصل وكركوك!.
مؤسسة السجناء السياسيين أو غيرها من الدوائر التي انبثقت بعد سقوط النظام السابق عدت جميع المعدومين في الفترة من 17 تموز1968الى 9 نيسان 2003 شهداء.. لابأس في ذلك.. لكن هل تعلم هذه المؤسسة وغيرها ان المعدومين عن ارتكاب مجازر الموصل وكركوك قد صدرت الاحكام ضدهم من قبل محاكم شكلت في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم، أي قبل (54) سنة وليس في زمن صدام والبعث!.
هل يأتي يوم يتحول فيه بهجت العطية وعبدالجبار فهمي وسعيد قزاز الى شهداء ايضا، أو تصدر قرارات لاحقة يتحول فيها الجواسيس من امثال عدس وعزرا ناجي زلخا ومنير روفا الى شهداء ايضا لأن بعضهم اعدم في زمن البعث وصدام!.
كل شيء جائز ومتوقع في بلاد تجعل من القاتل شهيدا.. من الجائز جدا ان يتحول “عشماوي ” الى جيفارا و” فهد” الى مجرم لايستحق أي رحمة، لأنه مات مشنوقا وهو على عقيدة “الزنديق” ماركس و”الملحد المسقوفي” لينين!.
انا كنت شاهدا على مجزرة كركوك، واعرف بالتفصيل من قتل من ومن سحل من!.
اعرف من هم الشهداء الحقيقيين، ومن هم القتلة السفلة الذين جروا الابرياء وهم احياء بالحبال، ما اثار اشمئزاز الزعيم عبدالكريم قاسم، فشتم القتلة في خطابه الشهير الذي ألقاه في كنيسة “مار يوسف” في تموز 1959!.
ليس من المنطق والمعقول والانصاف بعد “54” سنة من سحل الابرياء وتعليق الجثث على اعمدة الكهرباء أن يتحول الجزارون الى شهداء!.
ليس جديدا في تاريخنا أن تتم عمليات التزوير بهذه الفظاعة وعدم الحياء.. وليس غريبا علينا أن يتحول اللصوص الى “ثوار”، والكذابون الى “مجاهدين” والقتلة الى.. “شهداء”.. وسيبصق الشهداء الحقيقيون في وجه المزورين مهما طال الزمن ومهما امتد عمر التزوير.. فالحقيقة تبقى ناصعة.. واللعنة على المزورين والكذابين وادعياءالحقيقة!.