حكايات كثيرة يرويها شهود وأشخاص عن فساد كبير كان يقع في أجواء السيد المالكي القريبة. وحين كنتُ أكتب في سنوات ماضية عنها، كانت العبارة التي تواجهني: ( أين الدليل؟) والدليل الذي يريده قادة الكتل أن يكون وثيقة اعتراف من المتورطين بالسرقة والرشى وصفقات الفساد، وهذا ما لا يمكن الحصول عليه. أقصى ما يمكن توفيره هو وثيقة، والوثيقة صعبة نادرة، لأن اللصوص يجيدون إخفائها، وهم يمررون فسادهم عبر قنوات ملتوية مُتعبة. وحين تحصل عليها، فان القادة يخدعونك بأنهم سيتخذون الإجراءات المطلوبة. وحين يقولون ذلك فان النتيجة تكون التستر وطمر الوثائق في أماكن مجهولة، أو يجري حفظها في خزائن هيئة النزاهة الوطنية.
نصحت الذين أعرفهم من المقربين من المالكي منذ فترة ولايته الأولى، نبهتهم على الأخطاء، ثم لجأت الى الكتابة والنشر العام. فبادلوني الخصومة والعداء، ونشط المتطلعون الى وظيفة مرموقة والى التقرب من المالكي أكثر، في شن حملات التشكيك والاتهامات ضدي.
ذات يوم وصلتني معلومة مؤكدة دقيقة من موظف حكومي ـ وعادة تكون معلوماتي من الموظفين المخلصين مدعومة بالوثائق ـ كانت تتحدث عن صفقة من السيارات المدرعة رباعية الدفع، جرت خارج السياقات القانونية، وأن الذي قام بترتيبها وادخالها الى البصرة (أحمد نوري المالكي)، مستغلاً سطوته التي تتجاوز القانون، وتمر بسهولة بدون رقابة ليقوم بتحويلها الى عشرات الملايين من الدولارات، صفقة تتبعها أخرى، ضمن نفس الخط والمسار والقوة التي يتمتع بها.
أخبرت الشيخ عامر الكفيشي بهذه الصفقة الفاسدة، في رسالة عبر البريد الاكتروني، فأجابني سماحته بأن هذا غير ممكن، ولا يمكن أن يتورط (أحمد) بعمل كهذا. وأخبرني أنني لو أمتلك الدليل فسوف يتصدى بقوة ولن تأخذه في الحق لومة لائم.
لم تمض سوى أسابيع قليلة حتى شائع الأمر، فقد وصلت ما يقرب من (٢٠٠) سيارة رباعية الدفع، وتم بيعها، ولم يتحرك الشيخ الكفيشي، ولم يتخذ أي إجراء، ولم تأخذه في الصمت لومة لائم.
مئات ومئات الشواهد والصفقات الفاسدة كانت تمر أمام عيني الشيخ الكفيشي المقرب المدلل من المالكي، والعضو الأبرز في لجنة الانضباط الحزبي في الدعوة، والشيخ الواعظ الذي يتحدث عن الأخلاق الإسلامية وقيم الإسلام ومبادئه، عبر مجالسه في العراق ومن قبل في الخليج وسوريا، وصولاً الى البث الفضائي في قناة آفاق.
يرى الشيخ الكفيشي بعينيه، كيف يتحول أصدقاؤه من الفقر الى الثروة الخيالية، لكنه يطبق جفنيه عن عمد، أو أنه يجد لها التبرير المناسب، فما أسهل التبرير واختلاق الأعذار على شخص مثله ومن أمثاله.
مع الكفيشي يتحمل أعضاء لجنة الانضباط، المسؤولية الشرعية والأخلاقية، في الإساءة الى سمعة الإسلاميين والى سمعة حزب الدعوة بتاريخه الذي بلغ القمة في التضحية، ثم انحدر على أيدي رفاقه الى قاع حزين مؤسف.
ومع الكفيشي يتحمل المسؤولية الآخرون من القيادات والكوادر الذين يعلمون الحقائق لكنهم يسكتون، بل يتسترون على فساد الجماعة المحيطة بالمالكي، ومنهم صلاح عبد الرزاق الذي نشرت وأنشر بشكل يومي تقريباً وثائق فساده، لكن الكفيشي وأعضاء لجنته، لا يكترثون، وربما يطمرونها تحت التراب، لكي تبقى طيّ السرية والكتمان.