جبار الياسري
ينتقدنا البعض من القرأء والمثقفين وحتى بعض الكتاب الإنتهازيين الذين ربما يحسدوننا على مواقفنا الوطنية الثابته والراسخة قبل وبعد الحصار على العراق , وقبل وبعد الاحتلال البغيض , ولربما أيضاً .. لأننا كنا ومازلنا لا نميل كما تميل الريح كما هو معروف عن البعض الذين نعرف تأريخهم جيداً , من أولئك الذين بدلوا ألوان جلودهم كالحرباء , فبعد أن كانوا يكتبون ويسبحون بحمد أولياء نعمتهم السابقون ويشيدون بهم , ومنهم من كانوا يعملون في الصحافة والإعلام الوطني العراقي قبل الاحتلال , أصبحوا اليوم بقدرة الأخضر من أشد المدافعين عن العملية السياسية ورموزها من الفاسدين والمفسدين والخونة والعملاء , ولا نعلم حتى يومنا هذا هل هم فعلاً مقتنعون بما يقومون به ؟, أم أخذتهم ومازالت تأخذهم العزة بالإثم بسبب الإنتماءات والولاءات والتبعية الطائفية والإغراءات المادية !؟.
نعم .. للأسف الشديد نقولها بكل ألم ومرارة , لقد أصبح بعض المثقفين والكاتب وحتى الفنانين العراقيين المعروفين عبارة عن قرقوزات وقرود يرقصون في حدائق وسيرك سياسيي الصدفة , يحركونهم ويقودنهم أمعاة أمراء الحرب الطائفية الدائرة حالياً , أغلبهم ضعفاء أمام المادة , ينهارون ويسيل لعابهم بمجرد ما يرون الورقة الخضراء .. أما إذا كان المبلغ ” دفتر من هذه الأوراق الخضر ” حسب لغة الأرقام والأوراق المالية المتعارف عليها منذ عام 2003 ..!؟؟, فعند ذلك حدث ولا حرج … خيرهم وأشرف واحد فيهم مستعد أن يلصق تهمة أربعة إرهاب والآن مودة الانتماء لداعش .. بأمه وأبيه وصاحبته وأخيه , ولا يخاف في قول كلمة الزور لومة لائم , كي يرضى عنه أولياء نعمته الجدد من سياسيي وأمراء الحشر الشعبي وأولهم سيدهم قاسم سليماني , ولهذا نراهم يكرهون ويمقتون كل من تجرد وابتعد عن الطائفية والعنصرية والفئوية , ولم يتملق أو يداهن حكام العراق الجدد ( عملاء الاحتلالين ) , ويدعوا للوحدة الوطنية ورص الصفوف والصمود والتصدي من أجل إفشال المخطط الإيراني , ولهذا تراهم بمناسبة أو بدونها يوجهون اللوم وأحياناً النصيحة , وتارة أخرى عندما يفلسوا وييأسوا من استمالة الطرف المخالف لصفوفهم , يشنون حملات استهداف وتسقيط سياسي مباشر , وينعتون ويسبون بأسماء وهمية , وهنالك من يدعون بأننا نبالغ كثيراً في طرح ووصف وتشخيص الحالة والوضع المأساوي السائد في البلاد , وكذلك طريقة تناول بعض المواضيع والأحداث الساخنة التي تعصف بالمنطقة عامة والعراق خاصة , وعلى رأسها فضح وتعرية المشروع الفارسي والتدخل الإيراني المباشر في الشأن العراقي .
حقيقة الأمر لقد جذب وشد انتباهي عنوان الموضوع أعلاه ( الشيعة العرب بين ولائين ), وما تفضل به سماحة السيد ” محمد علي الحسيني ” من شرح وتقييم وتحليل قيم , أغنى به وأعطى الموضوع حقه وشخصه بشكل مختصر ودقيق , عندما أشار بوضوح وإسهاب عن حجم وفداحة التدخل الإيراني وما يقوم به فيلق القدس الإيراني من دور خطير في المنطقة وفي العراق ولبنان وسوريا تحديداً .
ولهذا أرجوا مخلصاً وصادقاً أن يصل هذا التقييم والشرح الوافي لجميع الناطقين بلغة الضاد وعلى رأسهم الشيعة العرب , ناهيك عن مَّن يتهموننا بالطائفية والعنصرية من أولئك الذين أشرنا إليهم أعلاه , ولكي لا أطيل ..
أضع بين أيادي القراء الكرام ما أجاد به صاحب الفكر المتنور وأحد أبرز أعلام الأمة العاملين من الشيعة العرب سماحة السيد العلامة ” محمد علي الحسيني ” حفظه الله ورعاه , عسى ولعل قومي يعقلون ويصحون من سباتهم الذي طال أمده … قبل فوات الأوان :
يطول الحديث و يصبح ذو شجون عندما نطرح موضوع التدخلات السافرة و غير المحدودة لنظام ولاية الفقيه في المنطقة على بساط البحث و النقاش، خصوصا عندما نجد أن هذا النظام يضع کل ثقله في هذه التدخلات و يسعى في النتيجة لجعلها سکة تسير عليها قاطرة مصالحه الضيقة المشبوهة على حساب مصالح شعوب و دول المنطقة، ولئن کانت الملفات و القضايا و المواضيع المتعلقة بهذا السياق کثيرة و متباينة، لکننا سنرکز بصورة خاصة على الدور الذي يلعبه فيلق القدس الارهابي بقيادة الوجه المکروه و المرفوض عربيا و إسلاميا و دوليا قاسم سليماني.
فيلق القدس بقيادة سليماني، قد صال و جال في العراق و سوريا و اليمن ولبنان و غذ الاحقاد الطائفية و سعى لکي يکون في الوقت الحاضر معيارا للتعامل و التعاطي بين الشيعة و السنة، وانه ومن أجل إتمام و إنجاز هذا الهدف قام بتأسيس ميليشيات شيعية تزعم في ظاهرها إنها مکرسة للدفاع عن الشيعة او عن المراقد المقدسة، لکنها في الحقيقة و واقع الامر موجهة و بصورة مباشرة من أجل خدمة الاهداف و الاجندة الخاصة بنظام ولاية الفقيه، وهي ترکز و بصورة ملفتة للنظر على التهديد المحدق بالشيعة العرب في أقطار الوطن العربي و تسعى من خلال برنامج عقائدي يرتکز على مقومات مأخوذة و مستنبطة من نظام ولاية الفقيه إجراء أکبر عملية غسل أدمغة للشيعة العرب على مر التأريخ .
السٶال الذي يجب هنا طرحه هو: هل حقا أن هناك تهديدا محدقا بالشيعة العرب؟ وهل أنهم مستهدفون؟.
الاجابة على هذا السٶال يجبرنا على إلقاء نظرة متفحصة على تأريخ الشيعة العرب في الاقطار العربية، والبحث و الاستقصاء بشأن وجود مثل هکذا تهديد او خطر يحدق بالشيعة العرب سابقا، فإننا نجد خلاف ذلك تماما، وعلى سبيل المثال، فإننا عندما نراجع أحداث ثورة العشرين العراقية ضد الاستعمار البريطاني، نجد أن العشائر العراقية بشقيها السني و الشيعي قد قاتلت ببسالة المحتل البريطاني کتفا الى کتف، مثلما ان العشائر العلوية و السنية في سوريا قد کافحت و قاتلت الاستعمار الفرنسي متکاتفة و متوحدة مع بعضها، ولم نشهد حربا طائفية جرت فيها عمليات إبادة طائفية کما جرت و تجري الان في بلدان المنطقة بإشراف و توجيه من فيلق القدس لأهداف تتعلق بمشروع نظام ولاية الفقيه الايراني الذي يعتمد أساسا على جعل نظام ولاية الفقيه أمرا واقعا يهيمن على معظم بلدان المنطقة.
طوال العقود الطويلة الماضية، إختلطت الانساب بين العشائر العربية السنية و الشيعية و کان هناك مصالح مشترکة و أهدافا مشترکة و قواسم مشترکة عديدة تجمعها و تشدها الى بعضها بقوة، والذي يبدو واضحا أن فيلق القدس و طبقا لأوامر و توجيه من طهران يقوم بالعمل على تفتيت هذه المصالح و الاهداف و القواسم المشترکة بين السنة و الشيعة، وتريد أن تغير من ولاء الشيعة العرب بجعله حکرا على نظام ولاية الفقيه، وکما نرى فإن المشروع الايراني و من خلال سعيه من أجل تجنيد الشيعة العرب يعمل على التشکيك في الولاء للوطن و الشعب و العرق و التأريخ المشترك و يعتبر کل ذلك متعارضا و منافيا لمصلحة الشيعة العرب، وان المواجهات و الفتن الطائفية التي أثارها فيلق القدس بطرق ملتوية و أجج الروح الطائفية، قد کانت بالأساس من أجل التمهيد لأرضية و مناخ مناسبين لرفض الولاءات الحقيقية و الواقعية الاخرى.
طوال العقود الماضية، لم يشهد الوطن العربي قتلا و فناءا و تهديدا للشيعة العرب کما هو الحال في الوقت الحاضر، وقد کانت العقود الماضية تزخر بکل أنواع الامن و الاستقرار و العيش الهانئ لکل الاطياف و الشرائح وخصوصا الشيعة، ويکفي أن نشير بأن الشيعة العرب کانوا هم من يمسکون بأهم الاسواق و مصادر العيش و کان لهم دور بارز في الاوساط السياسية و العسکرية و الفکرية لکن الذي يجري حاليا هو الحجر على دورهم و جعله إنعزاليا و إنطوائيا لايخدم أحدا کما يخدم نظام ولاية الفقيه، وان الشيعة العرب وخصوصا المنبهرون و المنخدعون بنظام ولاية الفقيه، سوف يصحون عاجلا أم آجلا من غفوتهم و يعودون الى صوابهم والى واقعهم و أوطانهم و شعوبهم.