تتميز الأمم المتقدمة والناهضة آمالها الكبيرة على نهضة الشباب وقدراتهم على تطوير البلاد وإزدهارها في المستقبل وتضع لذلك خططا وبرامج وميزانية ضخمة لدعمهم في جميع المجالات ، إلا نحن فأن المليارات من الدولارات تذهب إلى جيوب الفاسدين والمفسدين والملايين من شبابنا العراقي لا يعرفون إلى أين يتجهون ..! .
وربما يسأل ساءل ما الذي تريده من الشباب العراقي ، وما الذي ينقصه هذه الأيام في ظل الحرية الكاذبة ، وهنا نقول إن الشباب طاقة خلاقة ومبدعة وأن بلادنا الخارجة من دمار الحروب وتوارث الحصار وعنجهية المغامرات بحاجة إلى إعمار وتوظيف الطاقات الوقادة في المجالات كافة مثل التعليم والإقتصاد والثقافة والفنون والعلوم والعناوين الأخرى ، ولكن مؤثرات الواقع والتي لا تحتاج إلى دليل فهي تحت مدركات الجميع وتفصح بأن ملايين الشباب لا يجدون أمامهم طريقا سالكا لإستثمار طاقاتهم ليسهموا ببناء الوطن حيث كانوا يحلمون بأن قوى التغيير ستحول البلاد إلى خلايا أنشط من خلايا النحل .
فكان على الدولة أن تزج الملايين من الشباب للعمل بالزراعة وآخرين يعملون بالصناعة ومجموعات أخرى تنهض بالبناء إلى حافات السماء ورابعة تستصلح الأراضي وتحيي حتى الصحراء ، وأخرى تبدع في التكنولوجيا وفي بناء محطات الكهرباء وتطور الجامعات والرقي بالمؤسسات الحكومية والعلمية والطبية ، لكن كل هذه الأمور وللأسف الشديد معطلة ولذلك فأن النتيجة الحتمية لطاقات شبابنا مهدورة في جميع المجالات ولم تجد طريقا إلا التطوع بسلك الشرطة والجيش والحرب ضد الإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة التي إجتاحت العراق .
لقد أستبشر الشباب خيرا بإنهيار النظام السابق ولعل الأحلام وأعظم الأمنيات قد جالت في خاطر عشرات الآلاف من الأكاديميين من أصحاب الشهادات العليا المقموعين داخل البلاد أو المهجرين خارجها ومعهم مئات الآلاف من أصحاب الخبرات المهنية في التخصصات كافة أن تفتح لهم كل الأبواب لإنتزاع إستحقاقاتهم في تولي المسؤولية والمساهمة في صنع القرارات المصيرية لنقل البلاد نوعيا في المستوى الذي يستحقه الشعب العراقي وتؤهله لذلك ثرواته النفطية الطائلة وتراكم خبراته وتوفر العقول المتخصصة والتاريخ العريق وهي عوامل كانت معطلة في الماضي وقد تعطلت أيضا بعد سقوط النظام لشدة الموجات الإرهابية والفوضى التي تركها الإحتلال والتي أدت إلى تكالب أعمى للسيطرة على السلطة بدون شروط أو إستحقاقات وكانت الأرجحية للهيمنة السياسية وليس العلمية ونتج عن هذا الواقع حكومات متعاقبة فاسدة وغير قادرة على تنفيذ إستراتيجيات حقيقية في التنمية البشرية فتبعثرت جهودها وضاعت مليارات الدولارات دون أن يتحقق الحد الأدنى من الإنجاز الذي يبهر القريب ويدهش البعيد ، والسبب كما قلنا أن العقول الناضجة والخبرات المتخصصة كانت بعيدة ومهمشة وغير قادرة على أن تدخل حلبة المنافسة السياسية أو إبرام الصفقات المريبة التي لا تليق بها ولا تنسجم مع تقاليدها المهنية والأكاديمية .
إن هذا الواقع المرير يحتاج أولا لمراجعة دقيقة منذ سقوط النظام في 2003 وإلى هذه اللحظة والإعتراف بالحقيقة بأن الدولة أهملت الشباب لتتفرغ لصراعاتها السياسية من أجل المناصب والمكاسب الشخصية وضياع المليارات على مشاريع ترقيعية وصفقات وهمية وشبحية وعليها البدء بوضع البرامج التخصصية للقضاء على الأمية بكل أشكالها والعمل على تطوير المدارس والجامعات ودعم القطاع الخاص لينهض بالصناعة والزراعة وبقية الإختصاصات ليصبح عندنا مثل بقية الدول الحديثة إنتاج واضح ، ومعنى ذلك توظيف جوهري لكل الطاقات والتخصصات وليس الإكتفاء بتشغيل الناس في الأجهزة الأمنية والعسكرية وبطرق تقليدية وبيروقراطية غير منتجة كجعل الجميع يستهلك ولا ينتج ويستورد كل شيء من الغذاء إلى الحذاء .
ولعل فاتحة هذه الأسئلة سؤال مهم يتبادر إلى الذهن ومفاده من هو القادر على وضع الخطط وتوجيه الأموال لإنقاذ تطلعات الشباب من أجل بناء مستقبل زاهر للعراق ، والجواب لا يحتاج إلى عبقرية فالمفروض أن يكون أعضاء مجلس النواب هم أعلى نخبة في الثقافة والعلم والتخطيط الإستراتيجي ، ويستطيعون أن يحولوا الأحلام إلى قوانين ومشاريع ويراقبوا السلطة في تنفيذ هذه المشاريع على الأرض ، ولكننا نقول وبصراحة تامة وغير جارحة إن فاقد الشيء لا يعطيه وأنه الضياع في زمن الديمقراطية .