باقر صاحب على الرغم مما يقال عن النشر الالكتروني وشيوعه مؤخرا، لكن تبقى للكتاب الورقي سطوته على القارئ، بدءا من العتبة الأولى –الغلاف-، بالاعتماد على المستوى المعرفي والتعليمي للقارئ، وذوقه الفني، فضلا عن تخصصه الثقافي والإبداعي. الإثارة التي يصنعها الغلاف، تتنافس مع العنوان، هنا المرئي والمقروء يتنافسان في تدوير بوصلة القارئ، وكلما كان هناك تكامل دلالي وفني بينهما، حينذاك تمتد يداه إلى الكتاب، لتقليب صفحاته، وتكوين فكرة أولى عنه. التوافق بين الغلاف والعنوان والمتن، كما يراه المتصفح للوهلة الأولى، يسهم في اقتناء القارئ للكتاب، أما إذا حدث أن المتن غير مستوف للتوافق مع الغلاف والعنوان، فيحدث أن يرمي القارئ الكتاب. هذا الحديث يتطابق مع القارئ المتخصص، الموسوعي، الذي يقرأ مابين السطور سريعا، أما القارئ المبتدئ، غير المتخصص، فيحدث أن ينبهر بالغلاف العالي المستوى من ناحية التصميم، والإخراج والطباعة الملونة، فضلا عن العنوان المثير، وهو جزء من الغلاف، فيقتنيه، بغض النظر عن المحتوى، الذي لم يتفحصه جيدا. إن دور النشر العربية، الجادة والتجارية، فهمت اللعبة، فهي حين تنشر لمن يدفع جيدا، ولكن مستوى مخطوطته هابط فكريا وإبداعيا تعمد إلى الاهتمام بالعنوان المثير والغلاف العالي التصميم، تغوي القارئ، الذي يبحث عن الوجدانيات لشرائه.تلك خديعة تمارسها بعض دور النشر، لأجل الربح التجاري، مسهمة في هبوط ذائقة القارئ، الذي يعتقد أن ما يقرأه في هذا الكتاب ذي الغلاف الباهر الجمال المتقن الصنع هو قمة المعرفة والإبداع. خديعة أسهم فيها مؤلف الكتاب من دون أن يدري، لأنه منبهر أيضا بالغلاف واللوحة التجارية المدهشة والعنوان البراق، الذي قد يكون غير الذي اختاره هو. أصبح هنا تواطؤ فني – مضموني، الناشر والمصمم والكاتب في خداع القارئ.لكن الكاتب المقروء والخبير في التعامل مع دور النشر، قد يفرض شروطه في صناعة التوافق الذي تحدثنا عنه، توافق يسهم في جعل الكتاب رائعا في مقاييس عدة. العديد من الكتاب العراقيين يلتجئون إلى دور النشر العربية، لخبراتها المتراكمة في صناعة كتاب متميز، وهم وإن يدفعوا جيدا، ولكن لأجل أن يظهر كتابهم وعصارة جهدهم وخلاصة فكرهم بأليق ما يكون.دور النشر العراقية، هي حديثة التأسيس، ومن ثم فهي ذات خبرة متواضعة، فتحاول أن ترتقي بالتعاون مع دور النشر العربية بمشاريع مشتركة. حداثة التكوين سببها النظام الديكتاتوري، الذي ضيق النشر إلى أبعد الحدود، فيما كانت دور النشر اللبنانية ترتقي بصناعة الكتاب منذ عقود، إذ تردد مقولة: القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ. اختصاص بغداد بالقراءة، يعني أن العراق فيه شعب قارئ لن تنطلي عليه حيل بعض دور النشر في تزويق غلاف وإثارة عنوان، ولكن المحتوى هابط تماما، يجب على دور النشر أن تلتقط هذه المقولة والاختصاص العراقي بالقراءة، للنهوض بصناعة كتاب راق لشعب قارئ، لتنقلب المقولة السابقة إلى ” بغداد تكتب وتطبع وتقرأ”.