شاكر الجبوري
لم نشاهد تضاربا حد التقاطع في المواقف الرسمية الأمريكية من قضية دولية مثلما يحصل من حوار طرشان بقضية داعش، فللسياسي موقفا يختلف تماما عن قراءات رجل الاستخبار و مكافحة الارهاب و العكس صحيح أيضا، ما أوقع العراقيون في فخ سوء التقديرات لذلك يتم الكشف عن توقيتات غير دقيقة و مراهنة في غير محلها، لكن دون جراءة على الأعتراف بالخطا، ما يستدعي مراجعة عاجلة للخيارات قبل الطوفان المدمر.
ويتطلب الأمر بالمقام الأول اعتبار محاربة داعش مسؤولية عراقية على أمتداد أرض الوطن بعد النتائج غير المطمئنة لطيران التحالف و انفراط بعض حلقاته حيث لم نعد نسمع عن قصف فرنسي أو أماراتي على سبيل المثال، نتيجة “التثاؤب” الممل في خطوات الاصلاح العراقية، مقابل قراءات أمريكية مختلفة، حيث يرى بعض الاستراتيجيين ان مكافحة الارهاب شيء مختلف عن اقتلاع جذوره، على اعتبار أن عمليات مكافحة التمرد لا تنجح على المدى البعيد إلا عندما تشعر الحكومة في الدولة المعنية بالمسؤولية لحل المشكلة داخلياَ.
ويذهب الاستراتيجيون حد التأكيد على أن المساعدات الخارجية ستتوقف يوما فلكل جهد حدوده، طالما لم يتفق العراقيون على خارطة طريق موحدة بسبب تجاذبات السياسيين، التي ضيعت ” الخيط و العصفور” من خلال قراءات لا علاقة لها بالحل الشامل للمحنة، التي أسست لمستقبل علمي مجهول لملايين الطلبة النازحين من مناطق الصراع.
وفي هذا السياق فان المراهنة على الحل الخارجي تنطوي على سوء تقدير خطير جدا، فالمعركة ضد داعش ليست من مسؤولية الأمريكيين أو الفرنسيين فهي تجري بعيدا عن أراضيهم ، و أمر انتقالها اليهم بسقوط المناطق فرضية مستبعدة، ما يدفع الى الواجهة الخيار البديل وهو تلاحم العراقيين في معركة مصير تؤسس لاختراق التنظيم و القضاء عليه بجهد وطني يختلف تماما عن استراتيجية تلقي الحلول من الخارج، كاستنتاج منطقي لأي معركة بوجه التمرد، حيث تقع المسؤولية على عاتق الحكومة الأكثر تضررا.
والموضوع الأخر الذي تعالت المبالغة في تقديراته هو الأسلحة، فالقضية لا تتعلق بنفاذها أو عدم فاعليتها بل تتعلق بالقيادة والعقيدة العسكرية و التجنيد غير المسيس و اقتناع أبناء العشائر بأن مسؤولين عن حماية مناطقهم و الا عدم التفكير بالعودة اليها، فهذه القناعة النفسية ترفع من زخم الاندفاع و تؤسس لمرحلة قتال رجل لرجل، وهو العُرف المتبع في أشكال التمرد المسلح بعد امتصاص ” هالة الخوف ” من العدو.
و من المستبعد حد النسيان إمكانية القضاء على داعش دون اقتلاع جذور نشأته، من خلال قرارات عاجلة في المصالحة و العفو عن المغرر بهم واطلاق فوري لسراح الأبرياء، وعدم المراهنة على بقاء رحى المعركة في مناطق دون غيرها، لأن العراقيين وقعوا ضحية لسوء التقدير الحكومي و الأمريكي وأمتلاك داعش مفاتيح التجنيد بسبب الاقصاء و فوضى قرارات التهميش.
تجفيف منابع الارهاب يحتاج الى استراتيجية عاقلة و قرارات جريئة بالوقت المناسب، أما المعتمد حاليا في ادارة الصراع مع داعش فهو أقرب الى القبول بالأمر الواقع على استحياء، ما يستدعي محاسبة كل المقامات المسؤولة عن حماية سيادة الوطن بعد فشلهم بالمهمة وسط انتقادات محلية و دولية تقترب من التشفي، بسبب عدم الخروج من عنق زجاجة العيش بالماضي.