كفاح محمود كريم
ظهرت خلال الفترة الأخيرة في متداولات وأدبيات السياسة والإعلام وأجهزة الدعاية الحزبية والمذهبية والعشائرية في العراق، تسميات وتوصيفات تتطابق وحالة الفوضى اللا أخلاقية التي تمر بها بلاد النهرين وما بينهما، هذه التوصيفات جاءت إما على شكل مصطلح يعبر عن ظاهرة استمدها ورثة نظام البعث وصدام ممن كانوا يسمون بالجحوش، وهي تسمية كانت تطلق على عملاء السلطة من شيوخ وأغوات العشائر الذين كانوا يشكلون أفواجا ( عسكرية ) بأسماء أفراد عشيرتهم باسم الأفواج الخفيفة، ويلغفون رواتبهم مقابل عدم خدمتهم في الجيش، وقيام العديد منهم بتنفيذ عمليات مخزية ضد شعبهم، وقد احدث الوارثون الجدد في المؤسسة السياسية والعسكرية وملحقاتها تعديلات طفيفة على أصل الفكرة، مستخدمين مصطلحا أكثر حداثة وأكثر مقبولية من منظمات حقوق الحمير وأحزابها، فبدلا من ( الجحوش ) ساد اليوم مصطلح ( الفضائيين ) تعبيرا عن اولئك العساكر الوهميين الذين تصرف لهم معاشاتهم وتفرغ في جيوب جنرالات مكتب القائد العام السابق المنحل فخامة نائب رئيس الجمهورية الحالي.
هذا في فضاء الجحوش سابقا والفضائيين لاحقا، إما في سماوات الإعلام العراقي ونافوراته التي بدأت تتراقص بعد سقوط نظام الحنفية الواحدة وفكرة القناة الأولى والثانية والإذاعة المركزية والصحيفة الوحيدة عموما ما يسمى بالمحللين الاستراتيجيين أو الخبراء الاستراتيجيين في مختلف الاختصاصات، فتراه ضابطا عسكريا يتحدث بإستراتيجية في علم السياسة، وكذا الحال في محلل سياسي ينبري خبيرا عسكريا أو اقتصاديا أو زراعيا، وهناك من استخدمها أي كلمة أو مصطلح الاستراتيج كتوصيف لجمعيته أو مركز أو مجموعته على شاكلة المجموعة الفلانية للدراسات الإستراتيجية أو معهد فلان للدراسات الديمقراطية الإستراتيجية، وهكذا دواليك، تحولت كثير من التفاصيل التكتيكية إلى إستراتيجية، خاصة وإنها أثبتت نجاحها كوسيلة رزق أو كما تقول الدارجة العراقية ( حيلة رزق ) لجمع داعمين تكتيكيين هذه المرة من اجل ( لغف ) اكبر كمية من الورقة الخضراء من أناس أتقنوا فن اللعب على الحبال أو على الثلاث ورقات حسب توصيف الأخوة المصريين!
والغريب إن وسائل إعلام مهمة يفترض أنها تضم متخصصين في السير الذاتية لمن يستضيفونهم، يشاركون هؤلاء المشوهين مهنيا في جريمة تلويث الرأي العام وتخديش حياء المجتمعات بادعاءاتهم ودعاياتهم التحليلية التي لا تمت إلى الحقيقة بأي شكل من الإشكال بل هي نتاج أفكارهم ومصالحهم ومن يسخرهم لخدمة برامجه كما كانت تفعل أنظمة صدام حسين والقذافي والأسد وأمثالهم ممن يعرفون كيف تؤكل كتف السياسة بصناديق الانتخابات المعاقة في مواطنتها وفي مستوياتها الثقافية والوطنية.
حقيقة فلقد ابتلت بلدان ما يسمى بالربيع العربي وفي مقدمتهم العراق كونه ( ربّع ) قبلهم بفضل العم سام وأشقائه أبو ناجي وجماعته الميامين الذين ساهموا مساهمة ( جادة ) في الربيع العربي وفي إنتاج جمعيات ومراكز ومعاهد الدراسات ( الجداً ) إستراتيجية وخاصة لتعليم الديمقراطية في بلدان معظم سكانها أميين في أبجديتهم وفي خيارات انتماءاتهم.