العراق حينما يتحول إلى قدر هريسة … بقلم جعفر المظفر

العراق حينما يتحول إلى قدر هريسة  … بقلم جعفر المظفر
آخر تحديث:

أظهر شريط نشر بواسطة اليوتيوب السيد المالكي وهو يسير وجمع من مرافقيه وأصحابه إلى مقام سيد الشهداء الحسين بن علي مشاركة منه لطقوس الحزن الشيعي. وإذ يشكل عاشوراء شهرا للحزن الشيعي, فإن رموزا سياسية شيعية إعتادت أن لا تفوت الفرصة لإظهار تعلقها بالإمام الحسين, وكسب الأجر بعد ذلك غنائم سياسية لا علاقة لها مطلقا بنصرة الإمام الثائر. أما فقراء الشيعة فلا شك إنهم يبكون على الحسين دون إنتظار لعائد سوى طلب الشفاعة من الحسين عند الله, وكأنما صار البكاء ثمنا لبطاقة دخول الجنة بدلا من العمل الصالح !

لكن على الجهة الأخرى فإن رجالا من أمثال الحكيم وصاحبيه عادل وبيان باقر وكذلك الجلبي يقومون بدورهم على أفضل وجه حينما ينتصبون أمام جدر الهريسة لكي يخوطوه بكل خشوع. ولا تتأخر النائبة مها الدوري عن واجبها الحسيني فتظهر في إحدى صورها واقفة خلف طفل مدمي ومتشقق الرأس في منظر مخالف لكل الشرائع التي تؤكد على أن الطفل غير ناضج بالشكل الذي يمنحه حق التعبير عن نفسه, أو تجعل غيره يقدمه بهذه الصورة البشعة.
وهل بتنا بحاجة إلى قدر عظيم من الشجاعة لكي نعبر بصوت عالي عن إدانتنا لظاهرة المبالغة في الحزن الشيعي ونشرح كيف أن هذه المبالغة لا علاقة لها بنوايا الحزن الصادقة على الحسين ولا بالطرق الصحيحة للتعبير عنها.
في بداية الستينات من القرن الماضي سألت شيخا معروفا من رجال الدين وكنت أقف إلى جانبه في كربلاء متفرجا على مواكب التطبير التي إمتدت أمامنا لعدة كيلومترات: لماذا يا مولاي لا تفتون بتحريم هذه الظواهر الدموية التي أظن أنها لا تتفق ولوازم الحزن الحقيقي على الإمام الشهيد. أجابني إن الأمر يحتاج إلى شجاعة قد تؤدي بصاحبها قتيلا في فراشه.
لكننا في ايامنا الحالية وجدنا الأغرب, ففي السابق كان أغلب السياسيين يدينون هذه الظاهرة, إن لم يكن جميعهم, أما في يومنا الحالي فإن رجال دين شيعة عديدون يدينون الظاهرة في حين تجد في المقابل أغلب رجال السياسة من الشيعة الإسلامويين, إن لم يكن جميعهم, يشاركون فيها ويجذرونها كإحدى أبرز مفاصل المشهد الثقافي العراقي.
لقد إنقلب الأمر تماما, ولا أظن أن هناك صعوبة تجابه تفسير الموقف, فرجل الدين الأخلاقي المتجرد, والذي لا علاقة له بالسياسة ليس بحاجة إلى إستغلال هذه المناسبات من أجل الصوت الإنتخابي, لكن السياسي بحاجة ماسة لذلك, خاصة وهو لا يملك سجلا للخدمة يؤهله لكسب أصوات العامة.
بالنسبة لسياسيين من هذا النوع عاشوراء هو كنز ثمين, وهم يعتقدون أن بإمكان دمعة كاذبة على الحسين ودشداشة سوداء ووقفة على قدر للهريسة أن تضمن لهم كسب ولاء العامة الذين يؤمنون أن دمعة حزن واحدة على الحسين كفيلة بان تدخلك الجنة. والنتيجة أن جريمة قتل الحسين كأنها جاءت لصالح هؤلاء السياسيين, وكأنما كان يزيد يعمل لحسابهم الخاص. فما أن يتوارى هؤلاء عن مواكب الحزن حتى يبدأوا من جديد مسيرة الفساد والسرقة والكذب والتزوير المخالفة جذريا لمسيرة العظماء من آل البيت الذين عرفوا بزهدهم وتجردهم وبغضهم لكل أشكال الحرام.
ولم يكن في نيتي حينما أشرت إلى رفض العديدين من رجال الدين لهذه الظاهرة أن أبرئ هنا المؤسسة الدينية الشيعية, فكثير من عوامل تشجيع هذه الممارسات البشعة في عاشوراء يقف وراءها المتنفذون في هذه المؤسسة التي وجدت طيلة تاريخها, الذي كان في أكثر صفحاته, صداما بينها وبين مؤسسة الدولة, الأموية والعباسية والعثمانية, وبعد ذلك مع الدولة العراقية الحديثة, أن عليها لكي تحافظ على رصيدها بين الشيعة, ولكي لا ينصرف هؤلاء عنها إلى نشاطات قد تربطهم بمؤسسات الدولة على حسابها, أن تدفع بإتجاه المغالاة في مظاهر الحزن الشيعي, حتى أنهم راحوا يعملون ويثقفون بعناوين مرهقة مثل (كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء).
لكن المسألة, يوم دخل عليها السياسيون, أصبحت أخطر بكثير. إن الدولة هنا لم تعد تخوض صراعا مع المؤسسة الدينية من أجل تبريد تلك الثقافة وطقوسها على الأقل, فلقد جاءت بنفسها لكي تقدم الولاء لتلك الثقافة ولكي تتبناها, فصار لها أن تعيش حالة إنفجارية سونامية بعد أن أدرك السياسيون هذه المرة قيمة تفعيلها لبقاء عروشهم الضالة. والسياسي لم يعد بحاجة إلى أن يحصل على أصواته الإنتخابية من خلال الخدمات التي يقدمها لمواطني بلدته أو محلته بعد أن صار الوقوف أمام جدر الهريسة يضمن له ذلك.
لقد كانت عملية ناجحة لإلقاء القبض على شعب بكامله وتغييبه في حالة حزن قاهرة لا سبيل لإنعتاقه منها.
ولا أظن أن سيد الشهداء كان وقف ضد طغيان يزيد, فضحى بنفسه وأخوته وأبنائه ونسائه وصحبه من أجل هؤلاء الخائطين بجدر الهريسة العراقي.

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=386818

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *