يوماً بعد آخر تظهر التعابير و تطلق المصطلحات على ارض الرافدين موطن الحضارات بين حامي البوابة الشرقية و محور الشر و بؤرة الارهاب و دولة التعايش و غيرها , هذه الاسماء تتأرجح بين من يراها دولة قوية و ستبقى هكذا , و من وصل حد اليأس من اصلاحها و تقدمها لأن الحال وصل بها الى نقطة اللاعودة لا تراجع عنها.
آخر هذه الوصفات و لا تكون الاخيرة العراق (دولة عميقة) اطلقها احد نواب تحالف سائرون الذي يتزعمه السيد مقتدى الصدر هذا الاسم يحمل بين طياته معاني كثيرة , فانها عميقة بتاريخها التي تمتد الى آلاف السنين و هذا ما نلمسه من آثاره القديمة في طول البلاد و عرضه , عميقة بمعاركها و حروبها و عدم استقرارها و قتل ابناءها على ايدي ابناء جلدتهم اوغيرهم , عميقة بمأسسيها و آهاتها و صراخ اطفالها و عدد ايتامها و آراملها و كثرة عدد مخيمات النازحين و معاناتهم , عميقة بصدى اصوات السيوف و صهيل الخيول و دوي المدافع و الصواريخ و رعب الطائرات المتحلقة في سماءها ، عميقة بعدد السيارات المفخخة والعبوات الناسفة وفنون القتل المروعة بين الذبح والرمي من الاعلى والدفن أحياء والتفجيروالغرق و ..الخ , عميقة بجبالها العالية و سهولها الواسعة و انهرها الطويلة و اعمدة الدخان الصاعدة من آبار نفطها او عند حرق اليابس و الاخضر في مدنها وقراها وأهوارها في حروبها و عمليات انفالها و هجراتها المليونية , عميقة بجبروتها في تعاملها مع ابناءها و ترحيلهم وطردهم و ظلمة سجونها التي استقبلت الوزير والفقير وكل صاحب تعبير و ضيق قيودها و سلاسلها الحديدية التي تأكل من الجسد البرئ اجملها و ارقها و بتنوع اساليب الاقصاء و النفي و محاكمها الخاصة التي لا ترحم و تجعل من القوانين طريقاً سهلاً لاصدار الاحكام بالسجن او معانقة حبال المشانق .
عميقة بشعبها الصامد الذي لا يعرف الكلل و الملل من الحروب والانشغال بالقضايا القومية الخارجية و قلة الخدمات من الماء و الكهرباء و الامان و العيش في اصعب الظروف و اضيقها يكتفي بلقمة عيش زهيدة او ان يطرق ابواب الجيران ليضحي بحياته من اجل حياة اطفاله فيشق البحار و يعبر الجبال متجاوزاً الحدود ليختار الحياة في اروقة الغرباء , عميقة في مشاكلها و ازماتها و فسادها المستشري بجسمها حتى العظم لم يسلم منها الا اليسير فهي الاولى في سباقها نحو قمة الفساد الاداري و المالي (حسب التقارير الدولية) فان وارداتها تفوق نفقاتها و لكن الجيوب (الفاسدين طبعاً) لا تمتلئ لأن الطمع و الجشع لاحدود لها فهي تنادي هل من مزيد و مزيد , هذه الآفة المشخصة من قبل القاصي و الداني تحتاج الى استئصال و مكافحة مستمرة و إن كان الامل ضعيفاً في الخروج منها بسرعة لأن السالم منه قد اصابه غبارها او انه لم يجده و قليل منهم من يخاف الله و يحب شعبه (وقليل من عباديّ الشكور)
إن كانت مهمة الحكومات السابقة مكافحة الارهاب و مقاومة الطائفية المقيتة فان مهمة السيد عادل عبدالمهدي المكلف بتشكيل الوزارة القادمة اصعب في مكافحة الفساد و البدء بالاصلاحات الادارية و المالية لأنها عملية متكاملة تحتاج الى جهود مشتركة من قبل الخيريين الاوفياء الذين اذا خلت البلاد منهم انقلبت الامور رأساً على عقب و هم باقون في كل زمان و مكان و الامل معقود عليهم فالجرح عميق و القلب رقيق .فالعراق عميق بجروحها الكثيرة من انتهاك حقوق مكوناتها الطائفية و نمو الارهاب و الحروب و الفساد هذه الجروح يصعب ان تلتئم و تشفي لأن الفساد قد نصبت خيمتها .