العراق: رئيس حكومة في مسرح دمى

العراق: رئيس حكومة في مسرح دمى
آخر تحديث:

بقلم:عوني القلمجي

لم تجد المرجعية الدينية وزعيمها علي السيستناني من وسيلة لانقاذ الحكومة العراقية وعمليتها السياسية المفبركة من قبضة الثورة الشعبية، سوى التضحية برئيسها عادل عبد المهدي، جراء عجزه عن انهائها والقضاء عليها، سواء عن طريق استخدام القوة العسكرية او عبر الاصلاحات الترقيعية. ظنا منها بان هذه التضحية ستقنع الثوار بترك ساحات التحرير والعودة الى بيوتهم. خاصة وانها فشلت هي الاخرى في سياسة مسك العصا من الوسط، عبر خطبها ونصائحها ومواعظها الملتوية. ولم يتردد عبد المهدي في قبول هذه التضحية بطريقة تدعو للشفقة. حيث استهل خطاب الاستقالة بالاية القرانية الكريمة، “يا ابت افعل ما تؤمر به وستجدني انشاء الله من الصابرين” وهو بذلك قد شبه السيستاني بالنبي ابراهيم وشبه نفسه بابنه اسماعيل. في حين كان الاجدر به توجيه خطابه للثوار، عسى ان يكفر عن جانب من ذنوبه جراء الجريمة الشنيعة التي ارتكبها بحقهم، والتي راح ضحيتها مئات الشهداء والاف الجرحى، او على الاقل لحفظ ماء الوجه.

لكن رد الثوار كان سريعا ومخيبا لظنونهم. حيث وصفوا هذه الاستقالة بمسرحية بائسة وخدعة لا تنطلي على احد، واكدوا في بيان لهم بانهم لن يغادروا ساحات التحرير في جميع المدن العراقية الثائرة قبل تحقيق مطالبهم كاملة غير منقوصة، واهمها تقديم عادل عبد المهدي واعضاء حكومته الى المحاكم بتهمة القتل العمد، وحل البرلمان وكتابة دستور جديد، وصولا الى ازالة ما يسمى بالعملية السياسية برمتها. فسيل الدماء الزكية لا يعوضها تبديل رئيس حكومة برئيس جديد، او تبديل وزارة باخرى. ولن يغير من هذه المواقف الثابتة اذا حدث واستقال رئيس الجمهورية، او رئيس البرلمان، فهذه تدخل ايضا ضمن فصول تلك المسرحية البائسة، كون جميع القادمين الجدد سيولدون من رحم العملية السياسية ذاتها، ومن نفس الاحزاب والمليشيات المسلحة الحاكمة. وخير دليل على ذلك الاسماء المرشحة التي يجري تدوالها بين الناس، مثل محمد شياع السوداني، وهو من حزب الدعوة وعلي علاوي من القائمة العراقية وقصي السهيل من كتلة الفتح ، وعلي الشكري عن كتلة سائرون وفائق زيدان من المجلس الاسلامي وأسعد العيداني من كتلة النصر. وهؤلاء جميعا شغلوا مناصب وزارية في حكومات سابقة. واذا حدث وتبوأت هذا المنصب او ذاك شخصيات مستقلة، فانها لن تخرج عن نطاق اخطبوط سكان المنطقة الخضراء.

امام فشل هذه الخدعة المكشوفة، كان من المفترض ان يرفع هؤلاء الاشرار الراية البيضاء ويحزموا حقائبهم ويلوذوا بالفرار، لكن الذي يحدث عكس ذلك تماما. فكل المؤشرات تنبئ باصرار هؤلاء على مواصلة ذات النهج الدموي وارتكاب مزيد من المجازر على غرار ما حدث في مدينة الناصرية وكربلاء والنجف قبل عدة ايام. والا بماذا نفسر ترويج الدعايات والاتهامات الباطلة باستخدام العنف من قبل الثوار السلميين ضد قوات ما يسمى بمكافحة الشغب وشرطة المحافظات او حرق المباني الحكومية او مقر القنصلية الايرانية في النجف او قطع الطرق والاعتداء على الممتلكات الخاصة؟ ثم ماذا يعني عزف اسطوانة المندسين والمخربين والارهابيين من جديد على الرغم من انها اصبحت مشروخة. الا يعني ذلك تهيئة مسرح الجريمة قبل فتح الستارة؟

هذا التمسك بالسلطة وتجاهل ثورة الشعب المظلوم ليس غريبا او مستغربا. فالمخطط الامريكي الايراني لتدمير العراق دولة ومجتمعا يتطلب وجود مثل هؤلاء الاشرار. فهم اكثر من غيرهم استعدادا لتنفيذ هذا المخطط الغادر. خاصة وان هؤلاء قد اثبتوا جدارتهم بالاجرام والقتل وامتهان كرامة هذا الشعب العظيم وتجويعه واذلاله واستعباده وسفك دمه والتفنن بسرقة امواله وموارده، وحرمانه من ابسط مقومات الحياة كالهرباء والماء والدواء والامن، في بلد يعد من البلدان الغنية في العالم. مثلما اثبتوا جدارتهم باستخدام القوة الوحشية ضد جميع الانتفاضات الشعبية التي قامت طيلة السنين الماضية. وقد نجد نموذجا عنها في قمع انتفاضة البصرة وعدد من مدن جنوب العراق قبل اقل من ستة اشهر، والتي راح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات الجرحى، لمجرد مطالبتهم بتوفير ابسط مقومات الحياة كالماء والكهرباء.

ولكن هذا ليس كل شيء، فهؤلاء وفي مقدمتهم نوري المالكي رئيس الوزراء الاسبق، قد اسسوا ما يسمى بالدولة العميقة التي يعلم الثوار مدى فاعليتها، كونها تستند الى عناصر قوية تشمل مجموعات داخل ضباط الجيش والشرطة والاجهزة الامنية والقضائية والاعلامية، ولها نفوذ ايضا في المفوضيات والهيئات الخاصة، اضافة الى المؤسسات الدينية وابرزها المرجعية الدينية العليا. وقد حددت مهمتها بالتصدي ضد أي تهديد من اية جهة، والعمل على إبقاء الوضع على ما هو عليه. اما مقومات قوتها فهي استخدام العنف والعمل بحرية استثنائية خارج إطار القانون. بمعنى اوضح، فان هذه الدولة العميقة هي تكتل وشبكة معقدة من العلاقات المتداخلة بين أجهزة ومجموعات عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية ومدنية ودينية لمقاومة أي تغيير يطرأ من شأنه أن يهدد المصالح الحيوية التي يتوقف عليها وجود الدولة والقائمين عليها. وهذا ما يفسر بوضوح استمرار وجود المالكي في العملية السياسية، او منظومة ما يسمى بالدولة العراقية، كرجل قوي يحكم العراق من وراء الستار. بل يمكن اعتباره الدولة ذاتها. ولذلك وضع الثوار امر تفكيك هذه الدولة في مقدمة جدول اعمال الحكومة الوطنية كونها العقبة الاكبر التي تقف في وجه بناء المشروع الوطني الشامل.

باختصار شديد، فان العملية السياسية التي فرضها المحتل الامريكي بالتنسيق الكامل مع ملالي طهران وبمباركة المرجعية الدينية، قد جرى تصميمها كما جرى تصميم الدستور من اجل دمار وخراب البلاد وهلاك العباد. وخير دليل على ذلك النتائج التي افرزتها على مدى سنوات الاحتلال العجاف. حيث الدمار والخراب الشامل، وانتشار الفواحش والجرائم، والعجز التام في تقديم الخدمات والامن، والتهجير والتفريط بالسيادة وضياع الثروات والقائمة بهذا الخصوص طويلة ومؤلمة. وجراء ذلك كله، فان هذه الثورة العظيمة لن تراهن ابدا على تغيير العملية السياسية من داخلها، سواء عبر تغيير حكومة باخرى او عبر الانتخابات المزورة او غيرها من الوسائل الاخرى. وبالتالي فقد اصبحت مطالب الثوار باسقاط النظام وعمليته السياسية بكل حلقاتها من حكومة وبرلمان ودستور مطالب لا يمكن التنازل عنها.

ليس المقصود من استعراض قوة هؤلاء الاشرار اشاعة الخوف في النفوس، وانما ابراز عظمة هذه الثورة العملاقة التي تحقق الانتصار تلو الاخر، وهي لا تملك سوى العلم العراقي وشعار “نريد وطن” الذي اصبح سلاحا يضاهي في قوته كل ما يملكون من قوة الحديد والنار، ودعم اقليمي مثل ايران او دولي مثل امريكا. الامر الذي جعل من امكانية الوقوف بوجه هذه الثورة العملاقة والقضاء عليها، امكانية صعبة التحقيق. خاصة وان نيران الثورة تزداد لهيبا يوما بعد يوم، واصرار ابنائها على مواصلتها اصبح اكثر شدة، ورفض الاستسلام او المهادنة او الخضوع لمنطق القوة يترسخ في نفوس الثائرين . بالمقابل فان حجم الطاقات والامكانات الثورية والابداعية لدى الجماهير اصبحت هائلة، والقيادات الشابة التي افرزها طريق الكفاح على مدى السنين الماضية اصبحت اكثر وعيا وادراكا لمسؤولياتها الوطنية. وبالتالي فانتصار الثورة النهائي اصبح قاب قوسين او ادنى. هذه هي الحقيقة، فالشعب العراقي ليس اقل تضحية وفداء من الشعوب الاخرى التي سارت على نفس الطريق.

ان كاتب هذه السطور ليس وحده الذي يتطلع الى اليوم الذي يتحقق فيه هذا الامل، وعودة العراق محررا ومستقلا وموحدا، وانما يتطلع اليه شعب العراق، بل ويتطلع اليه كل العرب لما للعراق من موقع ومكانة في قلوبهم وعقولهم ووجدانهم.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *