العراق في المزاد العلني

العراق في المزاد العلني
آخر تحديث:

بقلم:محمد واني

عندما يعم الفساد في المجتمع ويتحول من ظاهرة فردية إلى ظاهرة مؤسساتية واجتماعية شاملة، وتتعطل القوانين الرادعة وتقف المحاكم عاجزة عن مكافحته دون أن تفيد معه محاولات الإصلاحيين، عندها تتوقف عجلة التطور والإنماء وتصاب الحياة العامة بشلل تام، كما هو حال العراق اليوم، الذي بدأ يتآكل ويضمحل ويفقد دوره كدولة واحدة وككيان قائم بذاته بعد فترة قد لا تستغرق كثيرا في ظل هيمنة الأحزاب الطائفية وميليشياتها على الحكم.العد التنازلي للسقوط والتشظي بدأ منذ تدشين قانون “القتل على الهوية” وتكريس الطائفية، وعدم تطبيق الدستور والتبعية والعمالة للدول الخارجية وتشكيل عصابات المافيا لنهب البنوك والأموال العامة ونهب ميزانيات الدولة بالكامل، من قبل أحزاب وأشخاص متنفذين أمام أعين العراقيين (مثال ميزانية عام 2014) بهدف إذلال الشعب وإفقاره.

ولأول مرة في تاريخ الدول تعرض مناصب الدولة للبيع في المزاد العلني، وعلى عينك يا تاجر،  حتى وصلت قيمة بعض المناصب الوزارية إلى أكثر من 75 مليون دولار بحسب عضو “تحالف الفتح” ‏محمود الحياني.

هذه الفوضى والتسيّب والتجارة الآثمة لا يوجد لها مثيل في العالم، والكل  يعرف هذه الحقيقة؛ الرؤساء والوزراء والنواب والكتل السياسية، ولكنهم لا يحركون ساكنا، إما لأنهم شركاء في هذه اللعبة القذرة، أو هم مكبّلو الأيدي والأرجل، لا حول لهم ولا قوة، لا يستطيعون فعل شيء أمام غول مافيا الفساد. انظر إلى رئيس الجمهورية السابق برهم صالح وهو يقول؛ إن البلاد خسرت ألف مليار دولار منذ عام 2003 بسبب الفساد. دون أن يفعل شيئا.

 واعترف مصطفى الكاظمي بعجزه عن مواجهة الفساد حيث أصدر قرارا بتشكيل “لجنة للتحقيق في قضايا الفساد” ولكن المحكمة العليا المسيسة ألغت القرار “اعتبارا من يوم صدوره”، وعندما تجرأ بإجراءاته على بعض مراكز القوة في العراق، استهدفوا بيته وكادوا يقتلونه.

وكانت نتيجة حكم اللصوص كالآتي: البلد دُمّر والشعب جاع ووصلت نسبة الفقر في المجتمع إلى أكثر من 31 في المئة، والبطالة تجاوزت 40 في المئة، وفق آخر تقرير لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة. هذا الشقاء والبؤس المعيشي دفعا بالكثير من الشباب إلى بيع خصية من خصيتيه مقابل مبالغ مالية. وهذه التجارة البائسة لا توجد إلا في العراق!

والحقيقة أن الحياة في العراق قاتمة حالكة لا يوجد فيها بصيص من النور وهي لا تصلح للعيش الآدمي، وفق تعبير منظمة الشفافية الدولية، ولا لإقامة مجتمع سليم معافى ولا نظام سياسي متوازن يعتمد على الكفاءة والمهنية، والنهاية المحتومة لمثل هذا النظام واضحة وضوح الشمس، هي الدمار والتقسيم والتشظي. ولولا المصالح الإستراتيجية للدول الكبرى في بقاء العراق دولة واحدة موحدة، لما بقي له أثر يذكر الآن!ولكن مهما كانت قوة الدعم الخارجي، فإن التآكل الداخلي والانهيار الذي يعقبه نتيجة الفساد، يؤدي به في النهاية إلى السقوط والتلاشي، كما حدث مع أنظمة كثيرة تعاقبت على حكم العراق والعالم على مدار التاريخ؛ دول كثيرة وأمم لا تعد ولا تحصى تهاوت واندثرت بسبب فسادها وظلمها للشعوب الأخرى، الروم والفرس والأمويون والعباسيون. والعراق اليوم لا يشذ عن هذه الدول والأمم التي كانت شامخة ومتطورة في يوم من الأيام. وتلك سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا.وقد أدرك الكرد هذه الحقيقة مؤخرا، فأرادوا أن ينقذوا أنفسهم من المصير المحتوم قبل فوات الأوان ويعلنوا انفصالهم عن الجحيم العراقي عام 2017، فكانت المعادلات الدولية في المنطقة ومصالحها الإستراتيجية لهم بالمرصاد، ولم تسمح لهم بالتمرد على القرارات الدولية الجائرة، وأعادوهم إلى حظيرة الفساد والاستبداد الطائفي رغما عن أنوفهم!

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *