داعش هذه الجماعة الارهابية التي فعلت فعلتها من القتل و الدمار قلَّ مثيلها في التاريخ و فتكت بالجسم العراقي وفتت و احرقت الاخضر و اليابس , لم تكن ظهورها سبباً بل نتيجة لما كان يعانيه الساحة السياسية العراقية من الاقصاء و الابعاد لطرف على حساب الأخر .
يوماً بعد أخر و تتعقد المشهد العراقي و يبتعد عن الحلول و تقل حماسة الاطراف للبحث عن العلاج , فبعد ان تم بناء النظام السياسي على اساس التوافق بين المكون السني و الشيعي و الكوردي بعد تحريرها في عام (2003) و كان الصراع و الاجتماعات المطولة من أجل الحصول على أكبر نصيب من الكعكة التي سيطروا عليها بعد حلم طويل من العمل في صفوف المعارضة و العيش بعيداً في أزقة الدول الاوروبية و ايران .
فكل حادث و مرحلة تخلف وراءه معاناة و صعاب يجعل الحلول للمشاكل في غاية الصعوبة و مستحيلاً فكل التوقعات و التحليلات السياسية تشير الى قرب نهاية وجود (داعش) في العراق خاصة بعد الانتصارات التي حققتها القوات العراقية في الفلوجة سواء بالقوة او الاتفاق مقابل صفقات و بدأت القوى السياسية بعقد جلسات سرية و علنية لدراسة الاوضاع مابعد (داعش) و خاصة الاطراف السنية ولكن القضية ليست بتلك السهولة كما يتصورها البعض بل سيشهد بروز تحالفات و اتفاقات و أحداث ، حيث أن البيت الشيعي بات منقسماً على نفسه بعد أن كان موحداً او يوحده كل ما يهدد وجوده في السلطة و لكن الخلافات بين مكوناتها وصلت حداً بات البارحة حلماً و خاصة بين التيار الصدري وحزب الدعوة و محاولات كل منها بالانقلاب على الاخر و اتهامه بالفساد و تحريك الشارع العراقي المتأجج و ادارة موجة المظاهرات و كسر شوكة المؤسسات التشريعية و التنفيذية , كما ان الجماعات المسلحة المنظوية تحت راية ميليشيا الحشد الشعبي الشيعي لا يمكن ان تبقى موحداً بعد نهاية داعش لأنها هي التي اوجدتهم و وحدتهم و لكن الانقسامات بدأت تظهر من أجل النفوذ و الامتيازات اللهم إلا إذا تدخلت ايران (الجمهورية الشيعية) بعصاها السحري و صاحبة الفضل بعد ان خططت و دبرت و دعمت و قاتلت دفاعاً عن الوجود الشيعي في العراق و يجمعهم على المائدة الواحدة و لا يكون سهلاً لها . و هذا التقسيم الشيعي على نفسه يبقي كل الابواب و الخيارات مفتوحة قد تصل الى حد القتال الداخلي فيما بينهم و تغيير في الوجوه و الاحزاب و التحالفات فيما بينهم في ظل عراق يفتقر الى اسس الدولة و لم تبقى الا الاسم .
اما المكون السني الذي فقد الطريق بعد عام (2003) و اصبح تائهاً بين ماكان يملكه من زمام المبادرة و انقاض العملية السياسية التوافقية و احلامه النرجسية بادارة دفة الحكم دون معارض من اقصى العراق الى اقصاه , بالرغم من كل محاولاته كانت النتيجة هي الاقصاء و القتل على الهوية وملء السجون و المعتقلات بالسنة و كانت حرب أهلية بأمتياز ناهيك عن الانقسام
الداخلي في البيت السني و لكن بعد داعش ستتغير شكل هذه التحالفات و الاوجه و التوقعات تشير الى نشوب حرب داخلية بين السنة لأن داعش خلفت وراءها الكثير من المشاكل فتبدأ عمليات الثأر و الانتقام نهايتها لايكون قريباً مع الافتقار الى المرجعية أسوة بالشيعة يمكن الرجوع اليها عند اشتداد الامور و هم يحومون على انفسهم بين رجل دين و رئيس عشيرة او قبيلة و سياسي باع نفسه بمتاع من الدنيا قليل و اخر متهم بالعمالة و داعم للارهاب …
اما حال الكورد فليس باحسن فبعد مشاركتهم بالحكم عام (2003) و اقرار الدستور العراقي لعام (2005) بالنظام الفيدرالي و الدولة الاتحادية كنظام سياسي لم يعد الكورد يكتفى بهذا المطلب المشروع و انما تجاوز الى اجراء الاستفتاء والاستعداد للاعلان عن كيان سياسي مستقل ينعم المواطن الكوردستاني بحقوقه ولم تعد بغداد بتلك الاهمية مثلما كانت سابقاً خاصة بالنسبة الى الحزب الديمقراطي الكوردستاني لتجاربه المرّة مع الانظمة المتعاقبة في الحكم لسنوات طوال , هذه الاستراتيجية أحدثت شرخاً في البيت الكوردي بين متشاءم من وعود و قرارات الحكومة الاتحادية و خلق ازمات مالية و سياسية متتالية و اخر يعتقد بضرورة الرجوع الى بغداد و حل المشاكل العالقة باعتبار الاقليم جزءاً منها , ناهيك عن المشاكل الداخلية للأقليم من الخلاف على طبيعة النظام السياسي و شفافية الواردات و الاستحواذ على المناصب و الاستفتاء او اخيراً الاتفاقات السياسية التي تشم منها رائحة الاختلاف و المؤامرة ازدادت الهوة بين القوى السياسية و صعوبة الجلوس على المستديرة , فبعد ان كانت الاجتماعات من أجل المشاركة في الحكومة ولكن الأن إن عقدت ستكون في سبيل مواضيع خلافية جذرية . و ان كل الاحتمالات واردة بشأن البيت الكوردستاني بعد نهاية داعش بين قيام دولة او تقسيم الاقليم الى ادارتين مثلما كان سابقاً و كل طرف يملك من الاوراق ما يكفي لزعزعة الاستقرار اما المكونات الاخرى من التركمان و المسيحيين فان سقف مطاليبهم قد ارتفع من مجرد النص على حقوقهم في الدستور و القوانين الى انشاء أدارات و أقاليم خاصه بهم مما يشكل عاملاً آخر لتعقيد المشاكل .
هكذا فان داعش أستبقت وراءها من الآهات و المعانات يكاد الوصول الى حلولها صعباً لكل المكونات , في ظل اصرار امريكي على ضرورة وحدة العراق على اساس الفدرالية التي لم تعد نظاماً يمكن الاستناد اليها في بناء دولة و تدخل ايراني حتى العظم في شؤونه بالاضافة الى ظهور جماعة اخرى على غرار داعش يلوح في الافق مع تغير في الاسم و المنهج و الاهداف … اذن فان التفكير بدولة عراقية موحدة مجرد ضرب من الخيال .