العراق والانتخابات القادمة بين استعادة السيادة وتغيير النخبة الفاشلة
آخر تحديث:
بقلم: عماد الناصري
مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، يعود العراق من جديد إلى مفترق طرق حاسم. فبعد أكثر من عشرين عامًا على تغيير النظام السياسي في 2003، لم تنجح الطبقة الحاكمة التي تسلمت السلطة منذ ذلك الحين في بناء دولة عادلة، مستقرة، وديمقراطية بالمعنى الحقيقي. واليوم، يقف العراقيون أمام فرصة جديدة، لكنها محفوفة بالمخاطر، لا سيما في ظل استمرار النفوذ الإقليمي، والانقسامات الداخلية، وانعدام ثقة المواطن بمخرجات العملية السياسية.
نخبة ما بعد 2003: إخفاقٌ بلا مساءلة
منذ سقوط نظام صدام حسين، تشكّلت طبقة سياسية من أحزاب وشخصيات تصدّرت المشهد بدعم خارجي أو تحت مظلة “العملية السياسية”. وعلى مدى أكثر من عقدين، أثبتت هذه النخبة فشلها في تقديم نموذج حكم فعّال، أو حتى الحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، والعدالة، والأمن.
ورغم تداول الحكومات وتغيير الوجوه، ظل النمط نفسه يتكرر: محاصصة، فساد ممنهج، غياب للمحاسبة، ومؤسسات ضعيفة تُدار بعقلية حزبية أو طائفية، لا وطنية. وبدلًا من بناء دولة المؤسسات، تم ترسيخ سلطة جماعات وقوى الأمر الواقع، سواء عبر السلاح أو النفوذ السياسي أو الولاءات الخارجية.
الديمقراطية لا تُبنى بنخبة فاشلة
الانتخابات، مهما كانت آلياتها، لا تكفي وحدها لتحقيق الديمقراطية. لا معنى لصناديق الاقتراع إذا كانت تُعيد تدوير نفس القوى التي تسببت في تدهور أوضاع العراق على مختلف الأصعدة. من هنا، فإن تحقيق الاستقرار الحقيقي يبدأ بتغيير النخبة السياسية الحالية، لا عبر مقاطعة الانتخابات، بل من خلال الدفع نحو تمثيل قوى وطنية جديدة، تعبّر فعليًا عن تطلعات الشارع العراقي، لا عن توازنات خارجية.
التغيير السياسي ليس ترفًا ولا شعارًا، بل ضرورة وطنية. فاستمرار النخب نفسها يعني استمرار الأزمات نفسها، وربما تفاقمها. أما إعطاء الفرصة لدماء جديدة من الكفاءات المستقلة، والنخب الشبابية، والحركات المدنية، فهو المدخل الوحيد نحو عراق أكثر سيادة، وأكثر قدرة على مقاومة التدخلات الخارجية، بما فيها النفوذ الإيراني الذي ازداد عمقًا في مؤسسات الدولة على حساب القرار الوطني.
بين واشنطن وطهران… أين بغداد؟
من الأخطاء المتكررة اختزال العراق في صراع أمريكي–إيراني. صحيح أن كلا الطرفين يؤثر في المشهد العراقي، لكن الأهم هو أن العراق لا يجب أن يكون تابعًا لأي محور. السيادة العراقية، التي كثيرًا ما تُرفع شعارًا، لا يمكن تحقيقها دون استقلالية القرار السياسي، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أساس الكفاءة والنزاهة، لا الولاء الأيديولوجي أو الطائفي.
هنا، يأتي دور الولايات المتحدة والدول الغربية. فبدلًا من النظر إلى العراق كـ”ورقة ضغط” في صراعها مع طهران، يجب أن تدعم بشكل جاد مسارًا ديمقراطيًا حقيقيًا، يرتكز على تمكين القوى الوطنية، ومراقبة نزاهة الانتخابات، وتقديم الدعم الفني واللوجستي لتعزيز مؤسسات الدولة.
الفرصة الأخيرة؟
قد تكون انتخابات نوفمبر فرصة أخيرة لاستعادة المسار الديمقراطي قبل أن يفقد العراقيون ما تبقى من أمل. لكن ذلك لن يحدث تلقائيًا. بل يتطلب:
إرادة شعبية واعية ترفض إعادة تدوير الفشل. دعم دولي متوازن يحترم سيادة العراق، دون وصاية. تفكيك منظومة المحاصصة، ومحاسبة رموز الفساد. إفساح المجال لقيادات جديدة تملك الكفاءة والرؤية الوطنية. الشعب العراقي دفع ثمناً باهظًا من حياته واقتصاده وأمنه خلال السنوات الماضية. وبعد أن جرّب الدكتاتورية، والغزو، والإرهاب، والتدخلات، والفساد، لا يستحق أن يُفرض عليه العيش تحت سلطة نخب أثبتت عجزها مرارًا وتكرارًا.
الديمقراطية الحقيقية تبدأ من تغيير النخبة، لا فقط تغيير الحكومة. والاستقرار لا يأتي من الخارج، بل من داخل العراق، حين يشعر المواطن أن صوته يُحدث فرقًا، وأن الدولة تعمل لأجله، لا لأجل صفقات الأحزاب أو مصالح الدول.