آخر تحديث:
ساهر عريبي
تخوض القوات العراقية الباسلة هذه الأيام معركة تاريخية لإسترجاع ماتبقى من الأرض التي احتلها تنظيم داعش الإرهابي قبل أكثر من عامين . معركة تعكس التلاحم الحقيقي بين مختلف المكونات العراقية, التي إمتزجت دماؤها فوق تراب الموصل الحدباء التي توشك ان تعود لأحضان الوطن حرّة, ليس لقوى الظلام موطيء قدم فيها.
معركة التحرير التي إنطلقت بعد الفتوى التاريخية لآية الله العظمى السيد علي السيستاني, كلّفت العراقيين تضحيات جسام , كانت ثمرتها تحرير المدن العراقية الواحدة تلو الأخرى من قبضة تنظيم داعش الذي بات وجوده مقتصرا اليوم على الجانب الأيسر من مدينة الموصل المحاصرة, وفي بعض الجيوب هنا وهناك.
هذه الإنتصارات تأتي لتمسح عار الهزيمة التي لحقت بالعراق والتي جعلته موضع سخرية واستهزاء أتباع الفكر الظلامي في العالم, حتى ظنوا بانهم على الحق ولولا ذلك ماكان لهم أن يحتلوا أكثر من ثلث العراق, حتى أقاموا دولة لهم ممتدة من العمق السوري وحتى مشارف بغداد. لكنهم نسوا بان جولة انتصارهم لم تكن سوى تحصيل حاصل لثمان سنوات من الفساد وسوء الإدارة وبث بذور الفرقة الطائفية والقومية والحزبية.
سقط ثلث العراق بيد قوى الإرهاب في وقت كان يتبجح فيه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ببنائه لإجهزة أمنية بلغ تعدادها قرابة المليون مقاتل, وسقطت أربع محافظات عراقية بيد حفنة من الأوباش بعد أن خصص نوري المالكي موازنة في ذلك العام وصفها بالإنفجارية, وبلغ مقدارها 147 مليار دولار , كانت الموازنة الأضخم في تاريخ العراق, وكانت حصة الأمن والدفاع منها 25 مليار دولار.
غير ان إحتلال داعش المدوّي كشف سوأة المالكي وطاقمه وأعوانه الفاسدين الذين قضموا 800 مليار دولار من مداخيل العراق طوال سنوات حكمه المشؤومة التي لم يفلح خلالها بحل أزمة واحدة على الصعيد الأمني او الإقتصادي او السياسي, بل كانت سياساته قائمة على خلق الأزمات وإذكاء نار التوترات سعيا لإحكام قبضته على السلطة.
حاول العراقيون نسيان تلك الفترة المظلمة والإستبشار بعهد جديد مفعم الأمل وبعدم العودة الى الماضي, حتى شهد الجنوب العراقي امنا واستقرارا ووحدة في هذه المعركة, فيما عادت المياه الى مجاريها بين أربيل وبغداد, و أبلى مقاتلوا العشائر السنية بلاءا حسنا في معركة التحرير. ونجحت الحكومة وبالرغم من الأزمة الإقتصادية جراء فقدان أسعار النفط ل 70% من قيمتها التي كانت عليها في عهد المالكي, نجحت الحكومة في إدارة دفة المعركة التي تخوضها ضد عدة دول في المنطقة والعالم ممن تقف خلف تنظيم داعش, في وقت حقّقت فيه الحد الأدنى من الأمن الإقتصادي.
وفي ظل هذه الأجواء المفعمة بالأمل, يأبى رأس الفتنة إلا ان يطل برأسه, ليوقظ الفتنة في الجنوب العراقي. ففي الوقت الذي يقدّم فيه أبناء الجنوب قوافل من الشهداء, ويرابط أبنائه في الثغور صابرين صامدين في معركتهم المقدسة, بدأ المالكي جولة إنتخابية مبكرة في المحافظات الجنوبية استعداد لإنتخابات العام 2018!
جولة استفز المالكي بها أبناء الجنوب, و كشفت عن إصابته بشيزوفرينيا شديدة , ولابد من التذكير هنا ان العراقيين هم اول من اكتشفوا هذا المرض الذي عبّروا عنه بالمثل الشهير (عرب وين طمبورة)! لم يفكّر المالكي في مواساة اهل الجنوب بان يرسل ابنه المدلّل أحمد متطوعا في قوات الحشد الشعبي الباسلة علّه يمسح شيئا من عار الهزيمة التي ألحقها المالكي بالعراق.
ولم يزر المالكي عوائل الشهداء الذين قدّموا فلذات اكبادهم قرابين لتحرير العراق, ولم يزر المالكي العوائل المتعففة ليجود عليها بقليل مما سرقه من اموال العراق, ولم يتفقد المالكي الأوضاع الخدمية والمعاشية في الجنوب, بل لم يتجرّأ على عقد اجتماع عام, بل عقد إجتماعاته خلف أبواب مغلقة استضاف خلالها الإنتهازيين. لكنه أطلق مرة أخرى شرارة الفتنة في الجنوب وسط هذا المقطع الحساس من المعركة المصيرية التي يخوضها العراق اليوم.
ماذا لو انجر باقي السياسيين وبدأوا حملاتهم الإنتخابية في الجنوب؟ ماذا لو استغلت بعض الخلايا الإرهابية النائمة هذه الأوضاع لتفجيرها؟ هل يحسب المالكي خطواته ويراعي فيها اوضاع البلد؟ أم أنه ينساق لإستشارات حفنة من البهائم التي تحيط به؟ أما آن له يقر ويذعن بأنه رمز الهزيمة والفساد فيه العراق؟
هل يريد المالكي أن يعرقل معركة التحرير عبر إشعال نار الفتن؟ أما آن له أن يشعر بالمسؤولية في هذا الظرف الحسّاس ويتجنب إثارة الفتن؟ أولم يحن الوقت له ليعي بأنه أضحى منبوذا من قبل الشعب ومن المرجعية الدينية, وأن الطبول التي تقرع له اليوم هي ذات الطبول التي كانت تقرع للمقبور صدام؟ وأخيرا إن كان القتل الذي يمارسه داعش شديد الوطأ فإن فتنة المالكي أشد, وقد قال تبارك وتعالي في محكم كتابه “الفتنة أشد من القتل” ,وإن كانت الحكومة والقوى الوطنية العراقية تتصدّى اليوم لتنظيم داعش , فعليها ان تتصدّى بشكل اكبر للمالكي لأنه رأس الفتنة الذي لابد من قطعه!