صلاح حسن السيلاوي
ظهر في عدد من المسلسلات والكثير من البرامج الترفيهية المعروضة على القنوات العراقية كمَّاً واضحاً من العنف، وهذا ما طرح تساؤلات عديدة في الأوساط الفنية والثقافية عن الأسباب التي تجعل المؤسسات الإعلامية والفنية تعمد إلى معالجة الحياة العنيفة بمنتج يظهر فيه العنف بشكل لا ينتمي إلى ما هو جمالي.
لذا انتقد بعض المتخصصين هذه الظاهرة التي أدت إلى ظهور أعمال تتحدَّث عن مشكلات الحياة العراقية، ولكن خارج أطر اشتراطات الجمال والمتعة التي يجب أن يتحلَّى بها كلُّ فن . لماذا تذهب القنوات الفضائية إلى إنتاج برامج تعتمد على مفاهيم العنف؟ هل يدل ذلك على وصول ذهنيتها الى إدمان العنف للدرجة التي لم تستطع معها معالجته فنيا. نبحث عن إجابات لهذه التساؤلات وغيرها عبر هذا الاستطلاع .
“حياة أزيل عنها الضجر”
المخرج حسين فالح بدأ رأيه مستشهدا بمقولة الفريد هتشكوك (الفيلم هو حياة أزيل عنها الضجر) مشيرا إلى أن الصورة من هذا المعنى تأخذ مدياتها التعبيرية والجمالية في التلقي والتوصيل، لافتا إلى أن ورود العنف ضمن بنية الصورة يجعله جزءا من السياق الدلالي للعمل شريطة بثِّه بلغة جمالية خالية من الإسفاف والمباشرة والسطحية الفجَّة، وأضاف: في أفلام المخرج الألماني هاينكه أنموذج يطرح العنف كبنية إنسانية اجتماعية تأخذ مفهوما طبقيا ونفسيا، كما تجلَّى ذلك في فيلمه (الشريط الأبيض) وبذا فهاينكه هنا يتناول أسباب الشر والعنف عند البشر من نافذة قرية ألمانية. ولنا أنموذج آخر هو أفلام المخرج الأميركي (ستيفن سبيلبرغ) الذي صوَّر لنا الحرب في أقسى بشاعتها في فيلمه (إنقاذ الجندي رايان)..المخرج العالمي يوسف شاهين هو الآخر احتل العنف مفهوما فلسفيا وطبقيا في أفلامه كما في فيلم (الأرض). ثمَّ تحدَّث الشاعر والناقد السينمائي سعد ناجي علوان عن العنف الذي وصفه بالمستشري في برامج الترفيه، مشيرا إلى أن ذلك يأتي نتيجة إصرار غريب يسيطر على الكاتب وفقا لقناعات مغلوطة بدعوى محاربة العنف عن طريق التذكير به، مؤكدا خطأ هذا المفهوم، لأنَّه يسهم بإعادة العنف على المشاهد ليقوم هو بإعادة إنتاجه خارج الشاشة، فلا أحد، على حد قوله، يمتلك تطمينات خاصة بعدم حصول ذلك ليصبح ناتج العنف الفني عنفا حقيقيا أشد منه، ولنا في ما تقدمه هوليوود في أفلامها وتأثيره في الشارع مثال واضح، حيث تقمص أحد الاشخاص شخصية (الجوكر) في فيلم (باتمان) ودخل الصالة ليطلق النارعلى المشاهدين وهو يرتدي شكل الجوكر، فمن الغباء أن نتمثَّل العنف كتابة ونعيد تمثيله بعذر محاربته.
مبالغة القنوات العراقية
الكاتبة أفراح شوقي تكلمت عن مبالغة الكثير من القنوات الفضائية العراقية، بإنتاج العنف في تركيبة برامجها الدرامية والمنوَّعة فاختارت لها طريق الرهبة التي تعكس عنفا مضافاً وتركيزا على استدراج الضيف إلى منطقة الألم والدموع والغضب بشكل ملفت، مشيرة إلى أن ذلك يكاد يكون ظاهرة عامة طغت على السطح لكنَّها لم تنل رضا كل المشاهدين الذين تعاطفوا مع الضيوف، ونقموا على معدي تلك البرامج برغم الحبكة التي ظهرت بها، وتعتقد شوقي أن السبب هو محاكاة برامج عربية وأجنبية مماثلة بالفكرة والإنتاج، والسبب الثاني هو محاولة لفت نظر ورضا المتابع العراقي لشيء مختلف قبل أن تسرقه برامج عربية وعالمية أخرى في شهر رمضان كما يحصل في كل عام.
فيما عد الشاعر عادل الصويري المستوى الثقافي لعدد من المخرجين والممثلين من أهم مشاكل الدراما في العراق، لأن هؤلاء تحول أكثرهم لتقديم برامج تلفزيونية ليست بالمستوى المطلوب على حد وصفه فضلاً عن نظرتهم السطحية لموضوعات مهمة، ولك أن تقارن بين مسلسل ( دولة الخرافة) و ( سيلفي) لتكتشف الفوارق الكبيرة بين العملين، كما لفت الصويري إلى أن المزاج المجتمعي له دور أيضاً في رفض وقبول الأعمال، إذا ما أخذ بنظر الاعتبار الخلفيات الطائفية والعرقية لهذا المزاج، وظهر هذا واضحاً جلياً من خلال بعض الكتابات الناقدة للأعمال التي أظهرت معاناة العراقيين ابان فترة الحرب العراقية الإيرانية وفترة الحصار.
فهم المجتمع والفن
القاص حمودي الكناني رأى أن من الطبيعي أن يستمد الكاتب مادته من أحداث العنف لأنه يعيشها، ولهذا يجد المهتمون بالدراما أنفسهم يتعاملون مع موضوعة العنف بصورة لا إرادية أحيانا على حد وصفه، مشيرا إلى أن سيادة العنف على حياتنا يجعل الدراما تعالج العنف بالعنف وكانها تطبق مقولة (آخر الدواء الكي).
أما الشاعر كاظم خنجر فقد رأى أن الإشكال يكمن في توزيع المعادلة التالية: أولا فهم المجتمع، ثانيا فهم العنف، ومن ثم فهم الفن. وأضاف: أعتقد بأن مايقدم في العراق ( تلفزيونيا) هو عكس هذه المعادلة، فالتلفزيون أخذ يعتقد بأنَّه من يحدد مزاج المجتمع، وهو بالتالي مسؤول عن تفسير ظواهره كالعنف مثلا، وفي الحقيقة ليس التلفزيون هو المسؤول عن التفسير، وإنما الايديولوجيا التي تدير التلفزيون، وفي ظل الصراعات الايديولوجية على أرض الواقع التي انعكست تلفزيونيا، بحيث تجرد الفن هنا من أي قيم وتحول إلى سلعة موسمية. وعليه فإن مانراه مجرد تهريج وسطحية في فهم الجمال إذ معالجة العنف جماليا تتجلَّى في عكس دلالته.
برامج تذل ضيوفها
الشاعر عبد الأمير محسن انتقد برامج الكاميرا الخفيَّة التي قدمت في شهر رمضان مشيرا إلى أنها أقل مستوى من مثيلاتها في العالم، فهو يرى أنها تمارس إذلال الضيف في محاولة لإخراجه عن قالبه الإنساني عنوةً، ومن ثم ليست هناك سوى نتيجة واحدة يصل اليها البرنامج وهي العنف اللامضبوط أملا في استحصال ابتسامة ما من متفرج .
التشكيلي عماد فاخر الساعدي أشار إلى أن من المفترض أن تكون الأعمال الفنية، والدرامية بالتحديد معالجة لمشكلة تفشي العنف لامعززة لها، ثمة مشكلة أخرى أكد وجودها الساعدي هي الألفاظ النابية والكلمات المعيبة التي بدأت تنتشر مؤخراً في الأعمال الدرامية العراقية والعربية مثل السباب والشتم، أما ما يخص البرامج الرمضانية والمقالب فيعتقد أنها عكست الروح العدوانية .