الفقر باعثا ابداعيا

الفقر باعثا ابداعيا
آخر تحديث:

د. حسين القاصد

كان من شأن شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري ، ان اتيح له شكل من اشكال السلطة فصار في مجلس الاعيان ، لكنه لا ينسى ايام فقره فهو يحدد تاريخ ميوله للاشتراكية مذهبا سياسيا فيقول :(كان ذلك في النجف في أوائل العشرينيّات يوم كنتُ أضع على رأسي العمامةَ أطلب العلومَ الفقهية. فقد كنتُ من الفقر بحيث أشتري أرخص أنواع التمور أقتاتُ به عَشاءً، وبما أنّني كنتُ أعرف سلفاً ما في التمر الذي أشتريه، وأعرف أن ليس في وسعي أن أشتري ما هو أحسن منه فقد كنتُ أضع هذا التمر في مخبأة الصاية، أي كما نقول بالعراقية في: جيبها ” جيب القفطان…وإذ أعود من أداء صلاتيْ المغرب والعِشاء يكون الليل قد لفَّ الأزقّةَ بظلامه فأقف في أحد الأزقة بعيداً عن الفانوس الذي يُنيرُه، وآكل من التمر الذي في جيبي حتّى أشبع دون أن أرى شيئاً فيما أكلت. ” ) ( الجواهري دراسة ووثائق ، محمد حسين الاعرجي)، لكن الدكتور محمد حسين الاعرجي يذهب الى مايقترب من حقيقة مايريد الجواهري ويضع يده على رغبة الجواهري وسعيه للسلطة ، ذلك لأنه ( ومهما يكن من أمرٍ فإنّ أيام ” التمر المشورث ” لم تكن تدلّ على وعي طبقي عند الشاعر بمقدار ما كانت تثير سؤالاً حارقاً عنده أن لماذا هو فقير؟ ويمكن أن يكون هذا السؤال بدايةَ الوعي بوضعه الشخصيّ لا الطبقي. لماذا هو فقير على حين أنّ أنداده الذين هم أكبر منه سنّاً من مثل الشيخ محمد رضا الشبيبي، وابن عمّته الشيخ علي الشرقي وزراء؟ ولماذا لا يكون هو وزيراً ؟ لماذا لا يكون هو وزيراً أيضاً، أو أكبر حتى من وزير؟ والشبيبي والشرقي اسْتُوزِرا .) وقد حدثني استاذي العلامة الدكتور محمد حسين الاعرجي ( رحمه الله)في اكثر من مناسبة حين كان يدور الحديث عن مدائح الجواهري ، وقال : انه الفقر فقد كان الجواهري ناقما على فقره ومستاءً من حرمانه ايام صباه . وكان لي ألا اتفق مع استاذي ـ كالعادة ـ واقول : ان الفقر اغنى من مدح من لا يستحق، مستشهدا ببيت المتنبي : ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى فيفحمني (رحمه الله ) ويقول : لكن المتنبي نفسه لم يعمل ببيته هذا!!، وهنا تظهر بوضوح موضوعة السلطة بنوعيها الشعرية والسياسية . ان ما مرّ به الجواهري من حياة اجتماعية واقتصادية قاسية يدفعنا الى الميل بأن الثقافة العربية لم تكن مهيأة للنهضة اقتصاديا واجتماعيا ، لذلك دار شعراء بداية القرن العشرين في فلك استنساخ ماضي الامة ومجدها الشعري واستدعائه بالكامل ، دون اية محاولة للخروج من سطوته وشرنقته.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *