يسهم النقد بعده فعالية ثقافية بتقدم المشهد الثقافي وفق مستويين ، الأول يأخذ بيد المتلقي الى معرفة مواطن القوة والضعف في المنجز الأدبي عبر الكشف عن ما هو معرفي وما هو جمالي وما يمكن ان يتضمنه ذلك المنجز من قدرة على تجاوز الذاتي والموضوعي في المشهد الثقافي ليشكل إضافة نوعية وعلامة فارقة على صعيد التجديد ، أما المستوى التأثيري الثاني للنقد فهو المساهمة في تطوير المنجز الأدبي وفق الإشارة الى مناطق الإبداع الجديدة التي يتوصل إليها المنجز الأدبي .وبهذا الصدد نذكر تأثير الناقد الانكليزي ا. ريتشاردز في تطور الشعر الانكليزي في أربعينات القرن الماضي من خلال أطروحاته التنظيرية والإجرائية وإضاءة التجارب الفاعلة والمؤثرة في إثراء ورفد الذائقة المعرفية والجمالية للمتلقي ، كما لانعدم الأثر الايجابي للنقد البلاغي العربي الذي تبلور على يد القاضي الجرجاني والقرطاجني والقزويني .. وهنا يتبدى لنا الحضور الكامل لما يتمتع به الناقد من مرجعيات ثقافية ومعرفية وجمالية موسوعية تؤهله ليقوم بالمهمة التي أشرنا إليها آنفا . وإزاء ذلك فان بالإمكان وضع اليد على ثلاثة مستويات للقراءة التي تدرج ضمن عنوان (النقدية) الشائعة في ما تنشره المجلات الثقافية والصحف اليومية وهي:- 1. المستوى العشوائي . وهو جهد لا يتمكن من الإحاطة بمهمة النقد وكذلك بمهمة المنجز وقوانين البناء الداخلي للأجناس الأدبية . فهو يقع في منطقة مرتبكة من الانطباع والتقييم العمومي الذي لا يغني المتلقي ومبدع النص على حد سواء .وتغيب عن هذا المستوى اية ارتكازات منهجية أو علمية أو جمالية في المقاربات النقدية . كما ويكشف عن ضعف أو انعدام الموهبة في رصد وتقصي مواطن التأثير في المنجز الأدبي .وعلى مزاولي هذا النوع من القراءة مغادرة الساحة النقدية لما يشكله من عبء وارتباك وضرر لذائقة المتلقي وللمنجز الإبداعي . ولا ننسى بهذا الصدد الاستخدام العشوائي غير الصحيح للمصطلحات النقدية للإيحاء بقدرة كتابها على تقديم قراءة علمية إلا انها ابعد ما تكون عن ذلك . . 2- المستوى المنهجي .. وفي هذا المستوى يحضر المنهج كأداة فاعلة في مقاربة المنجز الإبداعي مقاربة علمية تضيء للناقد سبل الدخول الى المنجز للكشف عن مواطن القوة والضعف عبر آلية التحليل التي تفترضها موجهات المنهج وتقسم الى ثلاثة أقسام :- أ- المنهج السياقي (الاجتماعي/التأريخي/النفسي) وقد ظهر هذا المنهج بعد أفول المدرسة الرومانسية وظهور الواقعية في الأدب العربي في منتصف خمسينيات القرن الماضي . مما استدعى تحولا في المناهج النقدية لاستيعاب موجهات النص الواقعي الجديد ..إلا ان هذه المناهج قد أخلت الساحة بعد تخلفها عن استيعاب موجهات النصوص الجديدة التي اهتمت بالنص من حيث البناء الداخلي فظهر القسم الثاني وهو البنيوي . ب- لقد اهتم هذا القسم من المستوى المنهجي ببنائية النص والكشف عن القوانين الداخلية للنص وبذا فقد أجابت على سؤال واحد وهو كيف بني النص؟ بصرف النظر عن المؤلف ومضمون النص .وقد ظهر هذا النقد النصي في الأدب العربي منذ ثمانينيات القرن الماضي .وعرف بالنقد النصي ولا يزال بعض النقاد يزاولونه في مقارباتهم النقدية ..يذكر ان هذا المنهج قد ارتبط بحركة الحداثة . ج – المناهج لما بعد البنيوية التي أنتجتها مرحلة ما بعد الحداثة ..وفي هذه المناهج يتم الجواب على السؤال التالي ..كيف بني النص وماذا أراد ان يقول؟ والإجابة متروكة للمتلقي الذي وضع لمرجعياته الفكرية والجمالية لإنتاج نصه وفق فاعلية التأويل ..وهو ما تميزت به المقاربات النقدية المعاصرة المتقدمة . كالتفكيك ونظرية التلقي واستجابة القارئ والبنيوية التكوينية والنقد النسوي والدراسات التناصية . لقد اتسمت هذه المناهج بالنظرة الشمولية والعالمية ان صح التعبير .وإذ أنتجت في بلدانها فإنها انتقلت الى بلدان أخرى وتم تطبيقها على نحو فعال مما شكل إضافات نوعية لهذا المنهج أو ذاك عند مقاربة النصوص الأدبية المنجزة في البلدان التي تم ترحيلها الى مشهدها الثقافي . مع الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة المنجز المحلي والمضامين المشكلة لمستواه المعرفي والجمالي .وبهذا الصدد فإننا نشير الى ما قدمه الناقد العربي والعراقي من إبداعات إجرائية كشفت عن مقدرة في إمكانية رصد التجارب الأدبية الايجابية متجاوزة مسطرة المناهج التي وضعها المؤسسون ليقدموا إضافات نوعية الى هذه المناهج . مما سبق ذكره نستنتج ان الحاجة الى المناهج النقدية بوضعها التواتري قد استدعته التطورات الحاصلة في المنجز الأدبي الذي افترضته التحولات في البنية الاجتماعية السياسية والحاجة الى تجديد في المنجز على مستوى الشكل لاستيعاب المضامين الجديدة التي افرزها التحول البنيوي للمجتمع.