المؤتمر القومي العربي، متى يصحو من النوم؟ بقلم مصطفى كامل

المؤتمر القومي العربي، متى يصحو من النوم؟ بقلم مصطفى كامل
آخر تحديث:
يبدو ان الخليط غير المتجانس في المؤتمر القومي العربي مصمم على استمراره في النوم انتظاراً للشمس اللاهبة، لعلها تحرقه فيتعظ حينها..
كان هذا انطباعي الأول وانا أقرأ فقرات البيان الختامي للدورة 24 من المؤتمر التي انعقدت جلساته في القاهرة على مدى يومين، مطلع الشهر الحالي.
 وكان لافتاً لي، وربما لكثيرين ان لاينتبه المؤتمر إلى قضية جوهرية باتت تؤرق كل العرب وكل المسلمين، لأهميتها وخطورة ما تنطوي عليه من نتائج يمكن ان تؤثر على مستقبل الأمتين العربية والاسلامية، وهي الاحتلال الفعلي الايراني لعدد من أقطار الأمة والنفوذ الخفي والمستتر لنظام ولاية الفقيه في بقاع شتى من العالم.
بدءأً أجد ضرورياً التأكيد على ان (نجاح) نظام ولاية الفقيه في هذا الاحتلال والتغلغل لا يعود أساساً إلى نجاح آيديولوجي أو نفوذ عقائدي بالضرورة، وانما يستند ابتداءً إلى ان القوى الحية، أو التي يفترض انها كذلك، في الأمتين العربية والاسلامية تخلت عن ممارسة دورها المطلوب في التبصير والتوعية بمخاطر هذا النظام، فيما تماهت قوى أخرى في مشروع ولاية الفقيه لتكون جزءاً منه، أصيلاً أو وكيلاً!
نعم لقد تجاهل المؤتمر وبيانه الختامي الدور الإيراني الخطير في العراق ولبنان وسوريا واليمن والبحرين والإمارات والسعودية ومصر والجزائر وتونس وغيرها من الأقطار العربية، كما تجنب تماماً تحليل مخاطر هذا الغزو المنظم، بحالتيه، العلنية كما في العراق ولبنان وسوريا والإمارات، والمستترة كما في البحرين ومصر وغيرهما من بلاد العرب.
سيقول بعضهم: ان معركتنا الأساس مع المشروع الصهيوني، ولذا أفردنا له مساحة كبيرة من بياننا الختامي ومن حواراتنا في المؤتمر.
وأقول: هذا صحيح ولا غبار عليه، لكن معركتنا الأساس مع المشروع الصهيوني الاستعماري العنصري لا تمنعنا، كمثقفين وليس كسياسيين، على الأقل من رؤية وتشخيص مكامن خطر أخرى وبواعث قلق ليست بعيدة على مستقبل الأمة!
ومعركتنا مع المشروع الصهيوني لا تمنعنا من التصريح بأن مشروع ولاية الفقيه الفارسي العنصري الاستعماري مصدر قلق خطير آخر!
ومعركتنا مع المشروع الصهيوني لا تحول دون تلمُّس جراحنا التي أصابنا بها مشروع ولاية الفقيه!
بل لعل قائل يقول: إن مشروع ولاية الفقيه أكثر خطراً وأعظم أثراً من المشروع الصهيوني، لأن الأخير وإن عَظُم خطره واستهدف كل الأمة، إلا انه مشروع مفضوح، مستنكرٌ من كل أبناء الشعب العربي، حيث مايزال مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني يراوح مكانه رغم كل عوامل الدفع، بإسلوبي الترغيب والترهيب، فيما مشروع ولاية الفقيه متداخل معنا جغرافياً ومذهبياً وإجتماعياً، وهو الأخطر إذ يجد بين قوى الأمة، بكل أسف من يروِّج له، تحت ذرائع شتى.
لعل كثيرين لا يعرفون أن احد الذين تصدَّروا مشهد إحدى جلسات المؤتمر القومي العربي يضع الآية الكريمة (إذا جاء نصر الله والفتح) رنة لجهاز هاتفه المحمول، وحين سأله احد الأشقاء عن سبب وضعه تلك الآية، قال: ان تلك الآية تشير إلى حسن نصرالله، وكونه مذكور في القرآن الكريم!
لكم أن تتخيلوا كيف ان مثقفاً عربياً وسياسياً يطمح أن يكون رئيساً لأكبر قطر عربي يفكر بهذه الطريقة!
لكم أن تتخيلوا مصير أمة يقودها سياسيون مثل هذا؟
ولكم أن تتخيلوا فكراً قومياً يكون هذا المفكر القومي أحد أركانه!
نعم، ان مما يؤسف له ان مجموعة من المثقفين العرب، المنتمين للفكر القومي، تُثار حولهم شكوك كثيرة، ويدور بشأنهم كلام كثير، يتلخص في انخراطهم ضمن المشروع الايراني وأدواته الطائفية البغيضة.
انني أعرف جيداً ان عدداً من هؤلاء المعنيين باتوا اليوم مخالب فارسية الهوى، تنهش في لحم الأمة الحي، وتسعى لتغييب المقاومة العراقية الباسلة ودورها الانساني الكبير، لصالح تضخيم أدوار جهات طائفية هنا أو هناك.
وانني أعلم جيداً، ان عدداً من هؤلاء المثقفين العرب، يسعى لضرب العروبة ومبادئها وقيمها متستراً باسم الفكر القومي، وباسم الأمة العربية، وبإسم الفكر المقاوم!
وأنا أعلم جيداً، كيف أن عدداً من أولئك المثقفين القوميين العرب، بات عنصر تآمر خطير على المشروع العراقي المقاوم، وانه يحاول، في المؤتمرات السياسية والفكرية العربية المنعقدة بين وقت وآخر، التذاكي على المقاومين العراقيين، قافزاً على كل الحقائق التاريخية التي أثبتتها وقائع النضال الملحمي والجهاد البطولي، خلال السنوات العشر الأخيرة التالية لاحتلال العراق.
وأنا أعلم جيداً، كيف ان هؤلاء يمدّون جسور الود، وحبال الوصل مع الجهات الايرانية المعنية، ولا يخفى انها مخابراتية طبعاً، من أجل تسويق الفكر الايراني المعادي للأمة، بين أبنائها، مستفيدين من الظروف المالية الصعبة التي تعاني منها الحركات العربية المقاومة، بما يجعل من إيران ولاية الفقيه راعياً رسمياً لكثير من أنشطتهم وفعالياتهم، باعتبار هؤلاء المثقفين العرب، وجوهاً مقبولة وذات تاريخ عريق!
وانا أعلم جيداً انهم يستفيدون من حالة (الُيتم) التي تعانيها المقاومة العراقية، التي لم تجد جهة داعمة أو راعية، وتصدَّت للاحتلال بصدرٍ عارً، إلا من الايمان بقدرة جبار السماوات والأرض.
كما انني أعلم جيداً ان النظام الوطني الشرعي في العراق، أعان بعضاً من هذه الشخصيات في سبيل العمل على تحقيق الحد الأدنى من الأهداف العربية الكبرى، وان بعضاً من هذه المعونة وصلت الى المعنيين في الأسابيع الأخيرة قبيل العدوان الأمريكي في مارس/ آذار 2003.
وأنا في هذا المقام لا أريد ان أتهم احداً أو أن أشهِّر بأحد، فهذه ليست مهمتي ولا غرضي، لكنني أريد ان أنبِّه لهذا المسعى الخطير، وأضع أمام الجمهور بعضاً من الحقائق الغائبة أو التي يجري تغييبها، وأرجو ان يكون إعتقادي في غير محلّه، وان تكون معلوماتي خاطئة.
لقد أغرق بيان المؤتمر القومي العربي الأخير نفسه في مقدمات تنظيرية وجمل إنشائية طويلة، فيما تغافل عن كثير من الحقائق الجوهرية التي تتحكم بواقع الأمة العربية اليوم.
مفارقة كبيرة أن يتغافل بيان المؤتمر عن ذكر المقاومة العراقية الباسلة التي أجبرت العدوانية الأميركية على تغيير خططها الكونية، وألحقت بها خسائر ذات أبعاد استراتيجية هائلة، ليس في سقوط عشرات الآلاف من مرتزقتها قتلى، ولا في مئات المليارات من الدولارات التي نزفتها فوق أرض العراق، فحسب، على أهمية هذا الانجاز، وانما في تراجع هيبة أميركا ومكانتها في العالم، وفي جعلها عاجزة عن ارتكاب حماقة عدوان جديد ضد أي دولة، باعتراف قادتها، وهو الأمر الذي يعني الخسارة الأكبر للعدوانية الأميركية على الصعيد الاستراتيجي بعيد المدى.
ان مقاومة العراقيين لعدوان أميركا فوق أرضهم هي التي جعلت أميركا في وضعها المُهين الحالي، وهي التي أرغمت قوات أميركا المحتلة على الانسحاب من العراق، برغم ان تحرر العراق كلياً لم يستكمل بعد.
ان هذه المقاومة ليست بحاجة إلى شهادة أي إنسان، إذ تكفيها شهادة الله سبحانه لأبطالها وقادتها، وحسبها ان التاريخ سيذكرها بكثير من الإجلال والفخار، ولو بعد حين.
 ان التغافل عن جرائم نظام ولاية الفقيه والتعامي عن منجزات المقاومة العراقية البطلة جريمتان بحق الأمة ترتكبها هذه النخب التي تدَّعي تمثيلها لقوى الشعب العربي الحية. وهو أمر لايستدعي عميق نظر فحسب، بل يستلزم فعلاً مؤثراً يُبعد هذه القوى عن العبث بفكر الأمة ووعي أجيالها القادمة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *