علاء كريم
إن تجربة التواصل المباشر بين الممثل والجمهور تعد صحية ومهمة. إذ أنها تطرح قضايا مهمة وقريبة من واقع الناس، ويتم تقديمها بالذهاب اليهم دونما الحاجة لحضورهم للمسرح، كما أن هذه التجربة تساعد على رفع مهارات الممثل ليكون بالوقت نفسه الكاتب والمخرج. هذه المادة مكملة لما نشرته مسبقا من موضوعة (مسرح الشارع.. ارتجال فني يحاكي الحياة اليومية)، ولما لهذا المسرح من أهمية تهدف إلى تغيير الأشكال التقليدية التي ارتبطت بالجمهور وبالقاعات الكبرى، وتغيير الأفكار السلبية المرتبطة بالشارع، ليكون فضاء ينطلق منه طرح حقيقي حول المواضيع التي تهم الناس وتعالج اشكالياتهم عبر “الارتجال” الذي يعد تجربة ليست سهلة لكنها جد ممكنة.
فكرة النص
الجمهور وفي كثير من البلدان التي تعاني من مشاكل كثيرة، بحاجة إلى هذه العروض “المباشرة” لانها تلامس الناس، وتحاكي ما يحتاجوا اليه، وايضا تعمل على بناء الممثل بناءً حقيقياً، وتعطيه القدرة على الارتجال: الذي يعد شكلاً مهماً من أشكال التمثيل، وإنجازاً مبتكرا،ً لفكرة “النص” الذي لم يكن متفق عليه قبل العرض، وقد يأتي ” الارتجال” بشيء جديد بديلاً عن التأليف والاخراج، والإضافة، وإعادة صياغة النص، لكنه احياناً يحدث قطع فني، وجمالي، معباقي المشاهد. الاداء المباشر يرسم لوحة ادائية جميلة بطريقة تلقائية، قد يكون بحوارات – فردية أو جماعية – هادفة لتنشيط المتلقي ومشاركته الفكرة، إذ يبدأ الممثل بطرح فكرة، فيكملها الثاني، ثم يحبكها الثالث، ويوسعها الرابع، وهنا يشارك الجمهور بالتناوب والتسلسل لينتج العرض انسجاماً بالشكل والمضمون. قبل المباشرة، والارتجال، يجب الاتفاق على موضوعة محددة، وتكوين مقترحات وصور تحمل وحدات دلالية، يتم من خلالها توزيع الأدوار على الشخصيات لتكون مكملة بعضها الآخر، وتتفاعل بوساطة الحوار، والحركة، والإيماءة، والرقصة، والأغنية، والسينوغرافيا، فضلاً عن تبادل الأدوار فيما بينها.
الارتجال في المعاهد المسرحية العربية: أغلب المعاهد المسرحية العربية تعتمد الارتجال كـ “منهج” تدريبي في بناء العرض المسرحي. ومن خلال ذلك يعمل المخرج على اعطاء الممثل مساحة أثناء التدريبات ليقدم مقتراحاته لشكل الدور المنسب اليه، عبر السياق العام للمسرحية وضرورة الانسجام مع الممثل الآخر، كما يحاول المخرج أن يجعل الممثل (متمرد) على (نمطية) فهم (الشخصية) أو الأفعال التي يرسمها لها، هذا يدفعه إلى تقديم ما هو أجمل وأعمق وأكثر انسجاماً مع فكرة العرض المسرحي، كما أن هذه الطريقة تحول الممثلين من (أدوات) تنفيذ لفكرة ورؤية المخرج إلى (مبدعين) لها، ومشاركين فاعلين فيها. والمتابع للمسرح العربي يشاهد كثرة مظاهر الارتجال، وخروج الممثل العربي عن نص الكاتب، ورؤية المخرج، بإضافة أشياء وأحداث غير متوقعة من الممثلين الآخرين، حتى أن الجميع يتفاجئ، لكن بعد لحظات سرعان ما يتم استيعاب الموقف والسيطرة على استمرارية العرض من جديد.
صناعة مسبقة
ولا ينجح في هذا الأمر إلا الممثل السريع البديهة، الحاضر بخياله بقوة، والذي يلتقط حركة من زميله، أو من أحد المتفرجين، فـ”يبني” عليها حواراً أو فعلاً مثيراً، لذا يسمى الارتجال “ابن اللحظة” وكل ما يخرج عن ذلك فصناعة مسبقة, ويبقي الارتجال في مسرح الشارع كالارتجال في أي صنف أدبي أو فني آخر.جميل، وخطير في نفس الوقت. وعلى الرغم من كون المسرح اليوم يقوم على ضبط النص وحفظ الأدوار حفظاً دقيقاً، إلا أن للارتجال والمباشرة مكانة مهمة ومعتبرة في المسرح المعاصر سواء في مسرح الكبار أم في مسرح الصغار، لما لهما من أهمية في تقويم الممثل وتدريبه، وإثارة المتلقي ذهنياً، واستفزازه وجدانياً، وإرباكه حركياً، وجذبه للمشاركة في بناء العرض بشكل تشاركي.