المشهد الثقافي العراقي.. تفوّق الأدب وتراجع الفنون
آخر تحديث:
وارد بدر السالم
قد لا تكون هناك خلاصات ثقافية عراقية في العام 2018، بمعنى النتائج التي يمكن لنا تأشيرها بوصفها منجزاً ثقافياً بارزاً في بلاد تتعاطى الثقافة بشكل واسع، أظهرت معها الكثير من الأسماء الشعرية والروائية والقصصية عبر خمسة عشر عاماً من الانفتاح على العالم الخارجي ترسخت فيه بعض الأسماء القصصية والروائية على حساب الشعر دائماً.
الأدب والصحافة
البارز في هذا المشهد هو الجوائز العربية التي نالها بعض السرديين عن استحقاق، مع أن الجوائز ليست ضامنة جداً لنجومية هذا أو ذاك من الذين يحصلون عليها، لكنّ هناك مَن يستحقها فعلاً كما الروائي عبدالخالق الركابي الذي حصل على جائزة العويس الثقافية – في الحقل الروائي- تثميناً لجهوده الروائية واشتغالاته الفنية البارزة في تقديم سرديات عراقية، والراحل سعد محمد رحيم الذي حاز على جائزتي كتارا والبوكر (القائمة القصيرة) في الرواية والقاص الشاب ضياء الجبيلي آخر من حصل على جائزة الملتقى للقصة القصيرة (الكويت). في هذا النشاط “الجوائزي” الذي يسعى إليه مَن يسعى، تترسخ أفكار الكتابة الروائية والقصصية سنوياً للوصول إلى هذه الجوائز، وهو أمر لا تخفى له خافية، حتى أن كثيراً ممن “لا يعنيهم الأمر” كرّسوا جهودهم السنوية للكتابة الروائية والقصصية في محاولة الوصول إلى هذه المنابر الرفيعة في قيمتها المادية والاعتبارية، لذلك بقي السائد والواضح في المشهد الثقافي العراقي هو المشهد السردي الروائي والقصصي إلى حد ما طيلة عام 2018. ونعتقد أن المشهد سيبقى هكذا إلى سنوات مقبلة، بعد تراجع الكثير من الفنون الأدبية أمام السطوة السردية، لا سيما السينما التي اندثرت تقريباً، لولا أن أحياها المخرج المغترب نوزاد شيخاني بفيلمه “تورن” الذي حصد 25 جائزة عالمية والذي لفت الأنظار إلى إمكانية صناعة سينمائية عراقية، مثلما توارى المسرح كلياً عن المشهد سنة 2018 والسنوات التي سبقتها بعدما تحكم بمساراته قليلو موهبة بفرض وصايا خارجة عن المنطق الفني والجمالي مما أدى إلى الانسحاب الجماعي تقريباً، سوى من محاولات تجريبية في كلية الفنون الجميلة ومعظمها أطروحات تخرّج لا يراها العامّة. والأمر ذاته ينسحب على التلفزيون الذي استحوذت السياسة عليه بشكل كلي وبقي الإنتاج الدرامي هزيلاً جداً لا يرقى إلى التراث الدرامي العراقي القديم المعروف بنضجه الفني وأسماء رواده ومبدعيه، بل تحوّل إلى منبر سياسي وديني طائفي لا يحفل كثيراً بالروح الإبداعية التي تنتشر بين المثقفين والأدباء والأكاديميين، وحتى برامجه الثقافية لا ترقى إلى المستوى الذي يؤهلها أن تكون نوافذ أدبية وفنية تطالع المشاهدين بشكل فيه جودة التقديم وجرأة الحوار والموقف والمثاقفة المتبادلة. في ما يخص الصحافة فيمكننا الحديث عن هجرة جماهيرية للصحافة الورقية، وهي ظاهرة واضحة في الحياة اليومية. فبعد أن كانت تصدر أكثر من 150 صحيفة تقريبا بين يومية وأسبوعية تقلصت أعدادها إلى بضع صحف يومية ليس فيها سوى ما هو مكرر في الفضائيات والمواقع الإلكترونية سريعة الأخبار والتغطيات، إضافة إلى أن كل مواقع التواصل الاجتماعي اجتذبت العامّة والمثقفين في النشر والمتابعة والتصفح والقراءة، مما يعني كساد الصحافة الورقية التي تجاهد أن تبقى ولو للتغطية الإعلانية الرسمية. ما تزال الرواية العراقية هي الأبرز في النشر في هذا العام، مع ملاحظاتنا التي كتبناها سابقاً في قلة القيمة الفنية للكثير منها بوصفها تجارب جديدة وشابة لم تمتلك الكثير من المواصفات الجمالية التي تجعل منها خاماتٍ ممكنة للنقاش والجدل والنقد، وهذا الأخير (النقد) ما يزال على خموله السنوي، بينما انشغل الكثير من الأكاديميين بالدراسات الخاصة بالمجلات (المُحَكَمة) التي لا يقرأها أحد، من أجل العلاوات والترفيعات السنوية كما هو معروف. أما دور النشر العراقية فقد بقيت “سطور” هي النافذة المهمة في تقديم الإنتاج العراقي إلى الخارج، إضافة إلى طبعها مختارات من الأدب العالمي والفكري والسياسي وانفتاحها على كل المعارف الإنسانية، تنافسها مؤخراً “دار الرافدين” التي اتخذت من بيروت مقراً لها، لكنها فتحت فرعاً لها في شارع المتنبي، وبقيت الدور الأخرى تراوح في مكاناتها من دون تقديم أثر أدبي وثقافي مهم حتى الآن.
المتنبي وثقافة المحافظات
شارع المتنبي هو المكان الثقافي الوحيد الذي يستمر ويُنتج ويأتي بالجديد دائماً، وقد تحول إلى مكان سياحي/ ثقافي تشيع فيه فقرات أدبية وجمالية كثيرة، كالمركز الثقافي الذي يقيم فيه صباحات متعددة من قراءات نقدية وشعرية ومحاورات أدبية ثقافية يساهم بها روائيون وشعراء من بغداد والمحافظات وأحياناً الأدباء العرب الذين يزورون بغداد في مناسبات مختلفة، وهو المكان الذي يشعرك بقاعاته المتعددة بأن هناك حركية جمالية لا تريد أن تنقطع بالرغم من الظروف المحيطة بالواقع العراقي عامة، على أن اتحاد الأدباء والكتّاب لم ينقطع طوال العام الماضي عن تقديم أمسياته وأصبوحاته الأدبية، مثلما يشار إلى جهوده الواضحة في مساعدة الأدباء مادياً على طبع إنتاجاتهم الأدبية، وبالفعل أصدر عددا من الروايات والمجموعات الشعرية والكتابات النقدية؛ يسانده نادي السرد الذي يهتم بسرديات الرواية ونقدها ومتابعة إصداراتها المختلفة وإقامة جلسات حوارية متعددة بشأنها. نعتقد أن المحافظات العراقية منشغلة بشؤونها الثقافية وإصدارات أدبائها ومثقفيها عبر الأصبوحات والأمسيات الحوارية والشعرية والنقدية، مع استضافة أدباء من محافظات أخرى في نوع من التبادل الثقافي الموضعي الذي يسعى إلى مد الجسور الذاتية بين الأدباء ومحاولة ردم الفجوة الطائفية التي عمل عليها سياسيو المرحلة في تشتيت الأصوات الفردية وإحالتها إلى طوائفها ومنابعها الضيقة. كما حصل في ملتقى الرواية الذي عقد في مدينة البصرة مؤخراً، ومهرجان كميت في محافظة ميسان وملتقى كلاويز في السليمانية، لكن يبقى مهرجان “المربد” من أهم المهرجانات الشعرية الذي يقيمه اتحاد أدباء وكتّاب البصرة سنوياً، إذ تدعى له بعض الأسماء العربية والأجنبية كتقليد ثقافي سنوي لابد منه. آخر شيء يمكن أن نقوله عن وزارة الثقافة التي بقيت متلكئة في أن تقدم طيفاً ثقافياً معتبراً سوى “جائزة الإبداع” السنوية التي تغطي كافة النشاطات الثقافية والفنية وهي الجائزة اليتيمة الوحيدة في بلاد الرافدين التي يحاول الأدباء والفنانون من الوصول إليها لقيمتها المادية التي تُعد جيدة بقياس الظروف المحلية. كما بقيت دار الشؤون الثقافية – وهي إحدى مديرياتها – بعيدة عن الهم الثقافي المحلي وبقيت مطبوعاتها سيئة واختياراتها أكثر سوءاً، مثلما بقيت دار المأمون – للترجمة غير قادرة على تنظيم أوضاعها الترجمية بسبب قلة التمويل الرسمي واتخذت من النشر الإلكتروني وسيلة تواصل غير فعالة لتكون في المشهد الثقافي، ومع أنها حاولت أن تعود لإصداراتها الورقية – لا سيما مجلتها الوحيدة – إلا أن الأمر يحتاج إلى دعم كبير ونشاط أكثر حيوية.