المعلم يوسف العاني.. سلاماً

المعلم يوسف العاني.. سلاماً
آخر تحديث:

د. عواطف نعيم

 كنت أحتاج الى الوقت كي ألملم حالي وأمتلك زمام أمري ثم أتوجه للكتابة … تعودت حين أكتب أن تكون الافكار واضحة وزمامها ملك يميني وعقلي تنساب بيسر وعذوبة دون تردد أو توقف أو تأني، عادة ما أريد قوله كنت قد فكرت فيه وقلبته ونقيته ثم أمسكت جمر روحي وسطرت ما أريد، لكني ولاول مرة أتردد في الكتابة وأفكر بها أكثر من مرة ولاكثر من سبب كي أكتب عنك أستاذي وتسألت: ماذا سأضيف لما قاله غيري من رفقة لك في مسيرتك الفنية وفي تأريخك النضالي وفي عملك الابداعي؟ حقا ماذا سأضيف وقد هب العديد منهم للكتابة عنك وبعضهم كان قد انصرف عنك وتناساك وأغفل وجودك!! لكن ورغم كل هذه الاسئلة كان لا بد من الكتابة عنك سمها يا معلمي ما تشاء، مشاكسة من خلالك لزمن كل مافيه قد اعوج وتتداعى ، عتب لصحبة كشفوا عن وجوه ما كنا نعرفها حتى ساعدهم الزمن الاحمق الذي نعيشه ونتقلب في مواجعه وفجائعه فتنمروا وأزاحوا أقنعة الرياء ، أم هو اعتذار لك من زمن لم ينصفك وما كنا لك معه منصفين!. كنت معنا في تجاربنا تباركها، تنبه، تقترح، تتعامل بروح الشباب رغم سنوات عمرك الممتدة بالانجاز والعمل، لم تكن تسخر أو تشمت أو تتأستذ، بل كنت معلما يجعل من الاخفاق تجربة للبحث والمغامرة ومن التعثر وسيلة للتثبيت والتثبت من الطريق الصحيح ، ولطالما أصغيت لجنوننا وجموحنا ونزواتنا وحتى تعالينا على بعضنا وتسخيفنا لرؤى غيرنا ومهاتراتنا العقيمة ، والاصغاء حكمة وتأمل ما كنا نجيده في هوس بحثنا عن ذواتنا وتكويننا لكياناتنا وسعينا لكي نلج رحبة الضوء. كيف كنا نحلم وكيف كنا نعمل وكيف كنا ننجز لو لم يكن هناك من يربت على ظهورنا ويبشر بعطائنا ويعلن عن ولادة ابداعاتنا، هل كان بامكاننا الطيران لولا فضاء الحرية والدعم الذي وفرته لنا الفرق الاهلية ومن كان يقودها من عقول ابداعية وأساتذة بارعون في اكتشاف المواهب والطاقات ورعايتها والعناية بها كي تكون ، وهم في ذلك ينطلقون من ايمان بضرورة رفد الساحة الفنية والثقافية العراقية بالطاقات الجديدة المؤثرة والجادة حتى لوكانت متمردة ومندفعة وصعبة الترويض لذا كان المسرح الفني الحديث والمسرح الشعبي ومسرح اليوم مدارس للتنوير والتعلم والتثقيف ، فرق قادتها عقول آباء وأصدقاء ومربين وأساتذة. يوسف العاني المعلم هل هناك من يجرؤ على القول بين أجيال الفنانين العراقيين وشبابهم أنك لم تكن لهم داعما وناصرا حتى لو كانوا مخطئين بحقك؟ هكذا كنت حتى لحظة وداعك ، كأنك كنت تستبق الاحداث وتستشف المقبل من الايام فتبني لشخصك في القلوب مكانة وفي المسرح بصمة ما حازها فنان قبلك ومعك ، اكتشفنا ونحن نعمل ونحن نبحث ونحن نغرس أن أرض الوطن هي الرحم الخصب الذي يثمر فيه غرسنا ويتلألأ بحثنا ويتجلى منجزنا وأن علينا بعد أن مددنا جذرنا في رحم أرضنا أن نعلن عن أنفسنا ونقدم منجزنا، عصارة فكرنا ومهارة عملنا خارج أرضنا كي يعرف الاخرون من أي حضارة عميقة قدمنا وفي أي أرض غنية أنجزنا أحلامنا واي فكر انساني خلاق ذاك الذي نهلنا منه ، تعلمنا منك أن نكون متمسكين ومقاتلين ومدافعين عن حلمنا في الحضور والكينونة والثبات حين تهتز الارض تحت أقدامنا وتميل الكفة لمصالح ومنافع غيرنا، تعلمنا أن نكون قادة أنفسنا، وأن لا نبدل المبدأ من أجل اللامع الرنان والآني الزائل، يوسف العاني الذين يتحركون ويعملون هم القادرون على التغيير والتجديد، لا شيء في الحياة ثابت بل هي متغيرة متجددة ساعية للامام ، لذا حرصنا أن نعمل مع الحياة في تدفقها وعنفوانها وتغير فصولها وتلون سماواتها بالرؤى والجمال والدهشة الآسرة ، لا أظن أن الفنان صاحب الأثر يموت هو خالد في ذاكرة الاجيال ومطبوع في الضمير الجمعي وحاضر في الفكر حين تذكر المواقف والاعمال الفنية والطروحات الفكرية والجمالية والرسالات الانسانية في مراحل تأريخية صعبة وعصيبة من نضال المجتمعات لاجل حريتها وكرامة مواطنيها. كنت معلما فيما كتبت من نصوص مسرحية وكنت معلما وأنت تقف على خشبة المسرح وتضيء فضاءه بعفوية الاداء وتلقائية الاجادة، ولقد أحبك الناس، أحبك الكادحون، البسطاء العاملون من أجل لقمة العيش ، والنخب الجادة من المثقفين والحالمين، من عملوا معك ومن اقتربوا منك ومن تعاملوا معك وحتى من كان ينفس عليك كل ذاك الحب الذي أحاط بك كان هو أيضا لا يملك الا أن يحبك، كانت المركبة التي تحمل نعشك وهي تتقدم في شوارع بغداد تحاط بالتحايا وكلمات الوداع الحزينة والتحايا العسكرية والدعوات بالرحمة والشكر لك لما منحت الناس من سرور وعظة ومتعة عبر أعمالك، وداعا يوسف العاني ما زالت أغنيتك حية وما زالت سخريتك ضاجة وما زال وقع خطواتك يسمع في فضاءات مسرح بغداد ومسرح الرشيد والمسرح الوطني وشوارع بغداد التي أحببتها فمنحتك أصالة روحها ومتانة ثباتها وعنفوان زهوها. أبو يعقوب سلاما ما زلت حيا بيننا وما زلت معلما لا يمل.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *