بغداد/ شبكة أخبار العراق- المخدرات ،آفة بدأت تنخر جسد المجتمع العراقي بعد تزايد انتشارها في السنوات الاخيرة.وسبب هذا الانتشار السريع جاء تماما بعد اصرار احزاب التحالف الشيعي والحزب الاسلامي باصدار قانون منع المشروبات الروحية لفسح المجال امام تجار المخدرات الايرانية لتدمير المجتمع العراقي اضافة الى انعدام الرقابة وتفشي الفساد في المنافذ الحدودية ، فضلا عما تسببت به الحروب والفوضى السياسية في البلد من انهيار كبير في منظومة القيم المجتمعية ، وترتب على ذلك تفشي ظواهر عديدة كالتسول والجريمة الارهابية والمنظمة وظواهر عديدة اخرى اسهم في انتشارها تردي واقع التعليم والبطالة والتفكك الاسري.وكان من بين اخطر هذه الظواهر تزايد الاتجار بالمخدرات وتعاطيها ، اذ وصلت نسبة الادمان خاصة في المحافظات الجنوبية والفرات الاوسط الى 18%،وعن هذه الظاهرة الخطيرة يتحدث لنا عدد من المختصين والناشطين بهدف تكاتف الجميع لغرض التوعية باخطارها وتشديد الرادع القانوني لها .الباحث الدكتور خالد حنتوش المتخصص في علم الاجتماع رئيس قسم الاجتماع في كلية الاداب في جامعة بغداد كان قد شارك مؤخرا في مشروع بحثي ميداني تابع للجنة مكافحة المخدرات في رئاسة الوزراء عن المخدرات في جنوب العراق وبالتحديد في محافظات (ميسان ، ذي قار ، البصرة) ليكشف عن وقائع خطيرة بضمنها حجم انتشار الادمان والاسباب التي أدت الى هذا الانتشار، فضلا عن اكتشاف الخلل في المنظومة الادارية – الأمنية التي تقف خلف العديد من المشكلات الاجتماعية ومنها المخدرات ، مبينا اهم انواعها ومناطق انتشارها ومنها مادة ( الكريستال ) التي تعد الاكثر انتشارا في المحافظات الثلاث الجنوبية والتي يرتبط تعاطيها بعدد كبير من أعمال العنف كجرائم السرقة والسطو المسلح والاختطاف.ولخص الدكتور حنتوش اسباب انتشار المخدرات بالتساهل القانوني بعد عام 2003 ،وسطوة المليشيات المرتبطة بايران، اذ تغيرت العقوبة الرادعة بالاعدام والسجن المؤبد الى العلاج الصحي والنفسي في المصحات بالنسبة لمتعاطي المخدرات والسجن من (5- 15) سنة بالنسبة لمروجيها مشيرا الى تهرب كبار التجار من العقوبة، بسبب الفساد في الأجهزة الامنية والتهديدات العشائرية وضعف المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بتجارة المواد المخدرة ، فضلا عن وجود أسباب أخرى كتقليص صلاحيات منتسبي مكافحة المخدرات وقلة الكادر الامني المتخصص والدوريات والسيطرات على حدود المدن مع قلة الكلاب البوليسية وأبراج مراقبة الحدود الدولية اذ يستغل تجار المخدرات النقاط الهشة للحدود المفتوحة ولاسيما مع ايران لتهريب بضاعتهم ، مع البطء في حسم قضايا المخدرات في جميع المحافظات وعدم توفر اجهزة لفحص المتعاطين وضرورة ارسال عينات الدم الى بغداد مايؤثر على سير القضية من ناحية تاخير حسمها واحتمالية التلاعب في نتائج الفحوصات.
وتشكل شريحة الشباب الغالبية العظمى من المتعاطين للمخدرات حسب الباحث وينتمي اغلبهم الى اسر فقيرة وبينهم العديد من منخفضي التعليم ممن يمارسون اعمالا حرة او يعانون من البطالة ولايملكون منازلا خاصة بهم ، كما اظهرت نتائج الحوار معهم ان العديد منهم يعاني شعورا بالضياع والخوف من المستقبل ويهربون بالمخدرات من واقعهم المزري.ومن الملاحظ عدم وجود أي مركز صحي متخصّص في محافظتي ميسان وذي قار لمعالجة المتعاطين. أما في البصرة ففي مستشفاها المركزي هناك ردهة واحده ذات (22) سريراً، بدت غير فاعلة أو كافية لعلاج المدمنين.وفي الوقت نفسه فإن المحافظات الثلاث تشهد انعداماً شبه كلي للمختصين الفاعلين في علاج هذه الحالات (في العمارة متخصص واحد فقط وفي البصرة لا يتجاوزون 10 أشخاص) مايعني عدم امكانية استيعاب جميع حالات الادمان لغرض الخضوع للعلاج الطبي والنفسي .. وبذلك فإن هناك حاجة حقيقية للتدخل لحل مشكلة المخدرات.ويرى الناشط المدني أحمد علي حسين ان انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات في العراق هي خطر يهدد مستقبل جيل كامل من الشباب وخاصة الفئات العمرية مابين 18- 30 عاما ، مشيرا الى وجود حالات تعاطي عديدة بين عناصر القوات العراقية وخلال تأديتهم لمهامهم الوظيفية ، وهو ما يؤكد محاولة ايران وادواتها في العراق تدمير الشباب العراقي بالتعاون مع عناصر مسؤولة فاسدة وعصابات اجرامية تعتاش على الألم العراقي عن طريق تسهيل دخول المخدرات عبر الحدود وتسليمها الى تجار يقومون بتوزيعها على باعة متخصصين فضلا عن بثها في الجامعات والمقاهي وتوزيعها خلال المناسبات الدينية في الأماكن المقدسة.بينما ينتقد الناشط الحقوقي ياسين التميمي عدم وجود رادع قانوني مناسب ، اذ ينص قانون العقوبات لعام 2011 على السجن ستة أشهر لمن يتاجر بالمخدرات بينما كانت العقوبة تصل الى السجن المؤبد أو الاعادم قبل عام 2003 ،مشيرا الى استمرار عمليات تهريب المخدرات عبر ايران الى مختلف مدن وسط وجنوب العراق وجعلها معبرا للتهريب مع عدم وجود رادع قانوني يحد من تجارة المخدرات .
مؤخرا ، دأبت لجنة الاعمال التطوعية في وزارة الداخلية على تنظيم ورش حوارية لمناقشة ظاهرة انتشار المخدرات وانعكاسها على المجتمع العراقي بالتعاون مع ناشطين وممثلين عن وزارة الصحة .وتؤكد الناشطة المدنية ذكرى سرسم اهمية استمرار اقامة ورش تثقيفية من هذا النوع وتوجيه دعوات الى جهات مختلفة يهمها الأمر لما لها من أهمية بالغة للحد من تفشي هذه الظاهرة التي تفتك بحياة فئة عمرية مهمة ، مشددة على ضرورة تضافر الجهود لزيادة التعاون بين المؤسسات كافة للتدخل المهني في حل او تقليل تفشي ظاهرة المخدرات مع متابعة الاهالي لاولادهم باستمرار والعمل على نشر التوعية بضرورة التحفيز للعلاج والتأهيل لمدمني المواد المخدرة في مصحات مخصصة لذلك.من جهته ، يؤكد العميد سعد معن المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية ان قيادة عمليات بغداد جادة في القضاء على هذه الظاهرة من خلال القاء القبض على جميع مرتكبي جرائم المتاجرة وتعاطي المخدرات ، مبينا ان عمليات بغداد تقوم بمتابعة عامة للمقاهي وقاعات الكوفي شوب وغلق مذاخر الادوية غير المرخصة ، فضلا عن توجيه اللجان الفنية في وزارة الداخلية بتقديم عروض مسرحية ضمن المسرح الجوال تسهم في توعية الشباب بمخاطر المخدرات وانتاج سبوتات تخص موضوع المخدرات بعضها نشر على مواقع التواصل الاجتماعي وحظيت بمتابعة مليونية ، كما قدمت وزارة الداخلية مسرحية في مستشفى ابن رشد أدى أدوارها المدمنون انفسهم من الذين يخضعون للعلاج داخل المستشفى من اجل التخلص من الادمان وتشجيع الآخرين لأخذ الحيطة والحذر من تعاطي المخدرات والمهدئات والادمان عليها .واشار معن الى ضرورة التعاون مع القوات الامنية لمنع ترويج الحبوب المخدرة وباقي الانواع من المخدرات والابلاغ عن أي حالات مشبوهة عن طريق الاتصال بالخطوط الساخنة لوزارة الداخلية ، مع ضرورة التدخل السريع لحل مشكلة المخدرات عبر اشتراك عدة جهات ، اهمها الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية والاجهزة الامنية والقضائية والدينية والاعلامية ومنظمات المجتمع المدني والعشائر والمجتمعات المحلية والمختصين في علم الاجتماع وعلم النفس والتربية والتنمية وغيرها من التخصصات في محاولة لوضع حلول جذرية بهدف انتشال الشباب العراقي من الوقوع ضحية لهذه الظاهرة وتقديم فرص حياة جديدة لهم.