آخر تحديث:
بغداد/ شبكة أخبار العراق- ملف جديد طفى على الساحة السياسية العراقية أخيراً، كعلامة على بدء التنافس الانتخابي المبكر في البلاد قبل نحو 6 أشهر من إجرائها، وهو يتعلّق بعائلات مسؤولي الدولة والسياسيين ورؤساء الأحزاب. إذ كشف تقرير أعدته لجنة معنية بشؤون الفساد مرتبطة برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في العاشر من الشهر الجاري، أنّ نحو 80 بالمائة من عائلات المسؤولين في الحكومة وأعضاء البرلمان يقيمون خارج البلاد منذ سنوات طويلة. وأوضح التقرير أن المسؤول الواحد من هؤلاء يستهلك سنوياً أكثر من 100 ألف دولار من موازنة الدولة العامة لزيارة عائلته خلال إجازات متفرقة يبلغ مجموعها نحو أربعة أشهر، في الوقت الذي تبلغ فيه إجازة المسؤول الرسمية في البلاد 31 يوماً فقط ممن هم بدرجة وزير ومدير عام ووكيل وزير وعضو برلمان.”وقال مسؤول في الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي في بغداد في حديث صحفي، إن العبادي سيستخدم هذا التقرير في حملته المرتقبة والجديدة ضدّ الفساد خلال الفترة المقبلة، والتي يتوقّع إطلاقها بعد انتهاء الأزمة الحالية مع إقليم كردستان، والإعلان رسمياً عن تحرير العراق بالكامل من قبضة تنظيم “داعش”.
ويتضمّن التقرير، بحسب المسؤول ذاته، أسماء شخصيات عراقية بارزة في الدولة على مستوى وزراء ووكلاء وزراء ومدراء عامين وأعضاء في البرلمان، فضلاً عن رئاسة الجمهورية ورؤساء هيئات عامة مستقلة، وصولاً إلى قيادات في الجيش العراقي وزعماء أحزاب مشاركة في السلطة. كما يتضمن التقرير تفاصيل عن إشغال مسؤولين سابقين منازل ومباني حكومية وعدم إخلائها واستغلالها لمصالحهم الشخصية. ومن بين هؤلاء رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ونائب رئيس الوزراء السابق صالح المطلك، ونائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، ورئيس البرلمان الأسبق حاجم الحسني.كما تضم اللائحة أسماء زعماء مليشيات نافذة توجد عائلاتهم في إيران، مثل قيس الخزعلي زعيم “العصائب”، هادي العامري زعيم “بدر”، ابو مهدي المهندس ،علي الياسري زعيم “الخراساني”، أكرم الكعبي زعيم “النجباء”، إضافة إلى أوس الخفاجي زعيم “أبو الفضل العباس”، الذي تقيم عائلته في منطقة السيدة زينب، جنوبي دمشق.
وعزا بعض المسؤولين العراقيين سبب عدم إعادة أسرهم إلى العراق بعد الاحتلال الأميركي وتغيير النظام، إلى سوء الوضع الأمني ورداءة الخدمات، كالماء والكهرباء والتعليم والصحة، وهي الأسباب نفسها التي يتهم الشارع العراقي المسؤولين ذاتهم بالتسبب بها، من رداءة أحوالهم الأمنية إلى الاقتصادية والمعيشية والخدماتية.وتحتل الولايات المتحدة وبريطانيا والأردن والإمارات وإيران وسورية وتركيا صدارة الدول التي تحتضن عوائل المسؤولين العراقيين، الذين تعود إقامة بعضهم في هذه الدول إلى ثمانينيات القرن الماضي خلال عملهم ضمن المعارضة العراقية إبان حكم نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، وحصلوا على جنسيات تلك الدول.
وكخطوة استباقية، نقل العبادي عائلته التي تقيم منذ نحو عقدين في بريطانيا إلى بغداد قبل فترة، بحسب المصدر ذاته، فضلاً عن آخرين تحسسوا قرب بدء الحملة ضد الفساد التي أطلق عليها البعض “الحرب على الفساد”، وهي تحاكي التسمية التي استخدمها العبادي في الحرب على “داعش” بعد تسلمه السلطة عام 2014. وعزا القيادي في التيار المدني العراقي في بغداد، حسام العيسى، أحد أسباب سهولة فرار المسؤولين من البلاد، إلى وجودهم بمفردهم في العراق، إذ سرعان ما يتمكنون من المغادرة. وأضاف، أن “تهور أداء المسؤول والسياسي في العراق يعود أيضاً إلى عدم شعوره بالانتماء الحقيقي لهذا الوطن، ولذلك لم نرَ طيلة الحرب مع داعش ابن مسؤول واحد يقاتل مع باقي العراقيين، بل على العكس دماء المواطنين البسطاء الذين لم يحصلوا من العراق إلّا على الفقر والجوع والضيم، هي التي أريقت، بينما أبناء المسؤولين يستجمون في منتجعات أوروبية”، وفق تعبيره.وأعرب العيسى عن اعتقاده بأن حملة العبادي المرتقبة ستطاول هذا الملف على وجه التحديد كونه “من أكثر الملفات التي تستفز عامة الشعب العراقي”.
من جهته، اعتبر عضو البرلمان العراقي والقيادي البارز في ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي، عبد الكريم عبطان، أن بقاء هذه الظاهرة “دليل على تمايز طبقي في العراق”، مضيفاً في حديث ، أنه “لا توجد دولة في العالم، عدا العراق، تقيم عائلات مسؤوليها خارج البلد الذي يتولّى فيه هؤلاء المسؤولون مناصب مهمة. يجب إنهاء ذلك سريعاً”.وتابع “السبب هو أن أغلب المسؤولين جاؤوا بعد الاحتلال وكانوا يقيمون في الخارج أيام المعارضة، واستمروا بوضعهم الحالي واكتسبوا جنسيات ثانية. ولكن بات لدينا تمايز طبقي خطير بين ابن المسؤول والطبقة العراقية العادية، وإلا كيف يمكن أن نفسّر مقدرة المسؤول على فتح بيت وإعالة عائلة خارج العراق من دون الاستفادة من أموال الدولة العامة”، موضحاً “أبناء المسؤولين ليسوا بأفضل من الذين يوجدون حالياً على جبهات القتال، واليوم هم مطالبون بإعادة أسرهم ومشاركة العراقيين بما يمرون به”.وختم بالقول إن هذه الظاهرة “أثّرت على الخدمات العامة وعلى أداء المسؤول، فهو يرى نفسه خارج المحيط الذي يديره ويشرف عليه، من الخدمات الصحية والتعليم والطرق والجسور وغيرها. ولو كان يشعر بمعاناة الناس لاجتهد بأداء جيّد ونزيه، لكنه يرى أنه خارج السرب ووجوده للاستفادة فقط، وهو سيعود للعيش خارج العراق بعد خروجه من منصبه”.واعتبر القيادي في التيار الصدري وعضو البرلمان مازن المازني، بدوره، أنه “بات من غير الصحيح السكوت عن هذا الموضوع أكثر”. وأضاف، أن “المسؤول يجب أن يعيش هو وأهله في العراق ويعيش معاناة الناس، ويجب أن تتوقف إدارة الدولة عبر البريد من الخارج. يوقّعون الأوامر ويرسلونها ولا يعلمون شيئاً”، لافتاً إلى أن “الأمر ينطبق على المسؤولين في السلطتين التنفيذية والتشريعية على حد سواء”. وأكّد المازني أنهم في التيار الصدري يدعمون توجه العبادي لإنهاء هذه الظاهرة.