منذ سقوط النظام السابق عام ( 2003 ) كان الأمل معقودًا على بناء دولة مؤسسات حديثة في العراق، إلا أن هذا الحلم سرعان ما تبخر وسط فوضى أمنية وسياسية أتاحت للميليشيات المسلحة أن تتغلغل في مفاصل الدولة والمجتمع، لتصبح تدريجيًا صاحبة الكلمة الفصل، بينما تراجعت سلطة القانون والدستور. – دولة الظل تهيمن في الواقع : لم تعد الميليشيات مجرد جماعات مسلحة خارجة عن القانون، بل تحوّلت إلى قوة موازية – وأحيانًا متفوقة – على الدولة نفسها، مدعومة بقدرات مالية وبشرية هائلة، وغالبًا بتمويل مباشر من قوى إقليمية. تحكم هذه الجماعات على الأرض، تفرض قوانينها الخاصة، وتستبيح المال العام، في ظل صمت رسمي أو تواطؤ سياسي. – داعش .. نتيجة وليس سببًاويرى مراقبون : ومنهم د. خالد القره غولي .. أن ظهور تنظيم داعش في العراق لم يكن سوى نتيجة طبيعية لحالة الفوضى والانقسام التي خلقتها الميليشيات , بل إن هذه الجماعات ساهمت ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، في توفير البيئة المثالية التي سمحت للتنظيم الإرهابي بالتمدد واحتلال ثلث الأراضي العراقية في مشهد كارثي لن يُمحى من ذاكرة العراقيين ؟ – الأحزاب تتحول إلى ميليشيات التحول الأخطر تمثل في اندماج بعض الأحزاب السياسية بالميليشيات ، حيث لم تعد البرامج الوطنية أو الكفاءة هي الفيصل في العمل السياسي، بل الولاء للزعيم أو الفئة، والسعي وراء المناصب والغنائم. وباتت الانتخابات ساحة لتصفية الحسابات بين السلاح المنفلت، في ظل غياب معايير النزاهة والشفافية ؟ – الطائفية تفتك بالدولة المشهد العراقي اليوم يعاني من تحلل مفاهيم الدولة الحديثة ، وعودة ما يشبه النظام الإقطاعي لكن بصيغ جديدة ، حيث تُقسّم الدولة إلى مناطق نفوذ لطوائف أو عشائر أو جماعات مسلحة، تحكم بقوة السلاح والمال ، لا عبر القانون أو المؤسسات , وهذا ما دفع كثيرين للحديث عن عراق مقسّم فعليًا، رغم بقاء صورته الموحدة شكليًا ؟ – ما بين اللا دولة والحلم الوطني – الصراع القائم في العراق اليوم ، كما يصفه القره غولي، لم يعد فقط بين الدولة واللادولة، بل بين من يؤمن بعراق وطني مدني جامع، ومن يصر على إبقاء البلاد رهينة السلاح والولاء الخارجي ورغم السواد الذي يلف المشهد، يصرّ الكاتب على أن في العراق رجالًا أحرارًا يقاتلون من أجل بقاء الدولة، مؤمنين بأن الوطن لا يمكن أن يُختزل في طائفة أو عشيرة أو جماعة. – خاتمة : المقال الميليشيات ليست مجرد مشكلة أمنية في العراق ، بل هي سرطان سياسي واجتماعي واقتصادي ، يتطلب مواجهة شاملة تتجاوز الحلول الأمنية التقليدية , فبناء الدولة يبدأ من فرض القانون ونزع سلاح الجماعات الخارجة عن السيطرة ، ويمرّ عبر إصلاح سياسي جذري يعيد الاعتبار للهوية الوطنية ، ويضع حدًا لعقود من الانقسام والفساد والتبعية وبه – نستعين