الناقد الديني

الناقد الديني
آخر تحديث:

د.أحمد الزبيدي

لم يشغل الناقد العربي القديم عقله – كثيرًا – في سر الخلق الإبداعي، ولربما اكتفى بالتأويل الأسطوري لوادي عبقر وحفلة (الجن)؛ ولكنه اهتم بالمرجعيات المغذية للنص الشعري والمساعدة على كثرته وذيوعه، فقال ابن سلام الجمحي: ((وبالطائف شعر ليس بالكثير وإنما يكثر الشعر بالحروب التي تكون بين الأحياء… والذي قلل شعر قريش أنه لم تكن بينهم نائرة ولم يحاربوا، وذلك الذي قلل شعر عمان))، فرد الجاحظ المعتزلي العقلي  على ابن سلام الناقد الديني الذي اتبع المنهج التاريخي والتوثيقي في نقد الشعر العربي القديم والمولود من البيئة الفقهية الدينية والمؤمن بأفضلية (السابقين) على (اللاحقين)،  فقال الجاحظ: ((وبنو حنيفة مع كثرة عددهم وشدة بأسهم وكثرة وقائعهم وحسد العرب لهم على دارهم وتخومهم وسط أعدائهم .. ومع ذلك لم نر قبيلة قط أقلّ شعرًا

منهم)).

وحين نفكك هذا التوصيف النقدي العربي للتشكل الشعري على وفق الرؤية الثقافية نجد التجانس الفكري مع النظام الديني، الذي يؤكد على علامة المؤمن الحقيقية هي (الابتلاء) فهو مبتلى، بل (إذا أحبّ الله عبدا ابتلاه) فالعنف الذي هو الشدة والقسوة وهو ضد الرفق أصبح عاملا أساسيا في التشكل (الجمالي) للحياة ومنها (الشعر) ولا يخفى أن الناقد العربي القديم لا يتخرج ناقدًا إلا بعد أن تجيز له المنظومة الدينية إجازة النقد فابن سلام فقيه في الأصل، والفاعلية الدينية في النقد هي فاعلية نابعة من بؤرة مركزية في الثقافة العربية وهي مركزية النص القرآني الذي استقطب المنجز العربي الإبداعي ليكون شاهدا (ناقصا) على جماله (المتكامل)..

فالقرآن أنزل في لحظة (عنف) وابتلاء والحامل له مبتلى واستقراره ليس في (الواقع) وإنما في (الغيب).. ثم جاءت القراءة البشرية للنص الديني  لتجعل منه إجازة سماوية للعنف البشري ومن ثم فالتفسير البشري لا يقل قداسة عن النص السماوي..

إذن كان من الطبيعي أن تتسرب تلك الأنساق إلى الرؤية النقدية للنص الشعري الذي يعد (الجار) الأول للنص القرآني، والجار المفضّل (للسلطة) التي تحكم بـ (شرعية السماء) ولأن السلطات العربية مازالت تحكم باسم (الوحي) فإن ثقافة ولادة الشعر من رحم العنف مازالت راسخة في مجتمعاتنا؛ ولأن العرب تستهجن اللقيط فإنها تصر على (الولادة الشرعية) للشعر .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *