حسن حاتم المذكور
الأباحية ظاهرة اجتماعية لها اسبابها وبيئتها, لايمكن معالجتها بالمنع الذي سيكون اسباباً اضافية لأنتشارها, انها حالة مرضية, يجب مواجهتها بأختصاصيين ومؤسسات علمية لها خبرتها ولا دخل للقوانين الرادعة من خارجها, الأجراءات الحكومية الأخيرة في منع (المواقع الأباحية!!) منافقة بمجملها, هروب الى الأمام في مواجهات المطاليب المشروعة للرأي العام العراقي, اجراءات يراد منها اكمال تدمير ما تبقى من قيم الأبداع المعرفي الفكري والفنون الشعبية العريقة, مؤسسات سلطة الجهالة ومنها التشريعية والتنفيذية والقضائية, هي الأكثر حاجة لأعادة التهذيب والتقويم الأخلاقي او ختم ابوابها بالشمع الأحمر منعاً لأنتشار اباحية فسادها .
كمن يُحرم شرب الماء ويمنع العطش, اصدر مجلس النواب قانونه بمنع (المواقع الأباحية!), قبله منعت الحكومة المصادر الروحية والوجدانية للثقافة الوطنية كدور السينماء والمسرح ومصادر الفنون الشعبية رافقها العزل الغبي بين طلبة المدارس والجامعات وبين الشباب في شوارع وساحات المحافظات مصحوبة بأجراءات مليشياتية مهينة وحرمان الناس والشباب بشكل خاص من الفرح المشترك داخل المنتزهات والمهرجانات والمكتبات العامة واللقاءات السوية القادرة على امتصاص فائض الوقت المدمر, الى جانب وأد ربيع الفتيات في كفن الحجاب, دورة الحياة في عراق الحضارات لا ربيع فيها, تبدأ من خريفها وتنتهي في خريفها .
حكومة الجهالة اقفلت ابواب فرص العمل والتعليم والنشاط المجتمعي البناء, ووضعت وسائل الأعلام تحت تصرف الأكثر جهالة من متبقي ازمنة ثقافة القمع, مؤسسات الدولة ذات الصلة بالحياة اليومية للمواطن بيد اغبياء العملية السياسية امعاناً في اذلال الناس (المراجعين) وسحق بقايا ادميتهم, عممت العوز المهين داخل مفاصل المجتمع وحاصرت الشباب بين خياري الهجرة او الأنزواء داخل ازقة البذاءات والتحرش الجنسي لتفريغ فائض جنون الكبت والأحباط وخيبات الأمل .
لا يمكن لأي مجتمع ان يخلو من مظاهر الأباحية, المجتمعات المتحضرة, لا تعالج الأمر بالمنع الفوقي المنافق, بل تستعين بأصحاب الأختصاص والخبرة من علماء النفس والأجتماع والتاريخ ومراكز بحوث اجتماعية ذات خبرة وعلمية, تلك المراكز والمؤسسات مدعومة من قبل الدولة, هناك مساهمات انسانية واعية لبعض رجال الدين المتفهمين لحقائق الحياة, رجال الدين عندنا منفصلين عنها تماماً, فجعلوا من دين الله جسراً لمرور اثام سلطة المال .
الخليع الحقيقي بفساده وارهابه ولصوصيته وتبعيته وخياناته, تلك الأباحية التي اكتسبت قانونيتها ودستوريتها من داخل مؤسسات الدولة واصبحت بيئة تصدر اباحية فسادها الى الشارع العراقي, لا نختلف كون المصادر التي تنشر الأباحية, تلحق اضراراً بالمجتمع ويجب الأحتراس منها, ولا نختلف ايضاً, ان مؤسسات دولتنا, هي البيئة التي يجب اصدار قانوناً بمنعها, ان قرار يصدر عن سلطة تشريعية خليعة هو قرار خليع, داء الأباحية لا يمكن ان يكون دواءً لها .
بغداد المتهمة بأباحية الأفلام من خارجها, هناك تحت سقفها اباحية النقل المباشر, حثالات الحواسم استباحوا مؤسسات الدولة وسرقوا ثروات الوطن واثاره وممتلكات الناس, ثم ظهروا رؤساء احزاب ورجال دين وتجار لأباحية الفساد الشامل, الشاب الذي يطلب كريمة مسؤول الصدفة او رئيس حزب وتاجر الصدفة, ورؤساء عشائر وحبربشية الصدفة, من اين يأتي بخمسة دفاتر (50,000) الف دولار, تلك الشروط المجحفة التي عمت مفاصل المجتمع, دفعته وخطيبته الى هاوية اليأس والأحباط والأستسلام لنوازع الجسد وانحراف الأحاسيس والمشاعر عن استقامتها حيث ذبح الأخلاق على قبلة الأفلام الأباحية .
من الأباحي حقاً, الشاب الذي قدمته البطالة والأمية فريسة لفائض الوقت واذلال العوز وضياع المعنى, ام الحكومة التي تطلب منه مقابل وظيفة شرطي ان يدفع (دفتراً) عشرة الآف دولار ثم تتقاسم معه راتبه ليصبح (فضائي) … شاب اضر بنفسه ام فساد نخسر معه الوطن وانفسنا .. ؟؟ .
الفساد لا يصلح نفسه والفاسدون هيكله, لم يبق امام العراقيين سوى تعطيل سلطاته ومؤسساته عبر تطوير وتكثيف حراكهم الشعبي ليلد حكومة انقاذ تتمتع رموزها بالنزاهة والكفاءة والوطنية, بعدها سيقف العراق على قدميه وينهض المجتمع ليستعيد عراقة تقاليده وعاداته واصالة قيمه, بعدها لم نعد حاجة الى قانون منع المواقع الأباحية .