على مستوى الأفراد.. يحرص أغلبنا -عادة- على معالجة أخطائه، سواء أسهوا حدثت أم تعمدا!. وفي أغلب الأحيان يعود خطأ الفرد بالعواقب السيئة على صاحبه دون معيته، وما تصحيح الخطأ في حال كهذا إلا عملية فردية يقوم بها المقصر، ويكون شفيعه إذاك قول نبينا الكريم (ص): “كلكم خطاؤون وخير الخطائين التوابون” .
أما على مستوى الجماعات فيكون احتمال وقوع الخطأ أكبر، كما يحدث في مؤسسات الدولة، وذلك لتعدد المسؤولين فيها واتساع رقعة عملهم، وتشعب الآليات في اتباع كل منهم سياقات عمل خاصة به، وهنا تتسع تأثيرات الخطأ وتداعياته، فيشمل وقعها شرائح أخرى من الشعب لم يكن لها يد في حدوث الخطأ، وبما أن نظام الدول نظام هرمي في توزيع المسؤوليات فإن هناك مسؤولا أكبر، ودوره هنا هو الإسراع -في حالة حصول الخلل- بتشكيل لجنة للتحقيق بأسباب الخلل ودواعيه، والظروف التي أسهمت في نشوئه وأدت الى حدوثه، وتعد هذه الخطوات ضرورية للتوصل الى المتسببين المباشرين -وكذلك غير المباشرين- في حدوث الخلل. والهدف من اتخاذ المسؤول هذه التدابير يرمي الى الحفاظ على مؤسسته وسير أعمالها في الحاضر، ليضمن استمرارها في المستقبل، ومن المؤكد أن هذا لن يتم إلا إذا حافظ على نظافتها من العناصر السلبية، والإسراع باجتثاثها أولا بأول كلما ظهرت، واستبدالها بأخرى إيجابية بشكل دوري ديناميكي.
إذن، فالخطوة الأولى والأساسية والضرورية هي تشكيل لجنة تحقيقية.. وعملية تشكيل اللجنة التحقيقية في مؤسساتنا لاتأخذ من وقت المسؤول غير دقائق معدودات، إذ بجرة قلم يتم تحديد رئيس اللجنة وأعضائها، والمهام المنوطة بهم، والى هنا ينتهي دور المسؤول الأكبر ويبدأ عمل اللجنة. ولكن هذا لايعني وضع الحبل على الغارب ونسيان المسؤول الأكبر أمر الخلل الواقع، والاعتماد بشكل كلي على اللجنة دون متابعة أعمالها وتطوراتها وخطواتها فيما كلفت به، ومن المؤسف أن هذا مايحدث في عراقنا الجديد.
نسمع بين الحين والآخر تشكيل لجنة تحقيقية من قبل رئيس الوزراء، برئاسة فلان وعضوية كل من (زيد وعبيد… وكذلك جرار الخيط) للتحقيق بشأن القضية الفلانية، وهذا شيء رائع وتصرف مثالي يقوم به أعلى رأس في السلطة التنفيذية للبلد، فبهذه السياسة وهذا النهج يتم وضع اصبع النجاة على الجرح النازف، ولكن..!حين يبلغ النزف حدا خطيرا لاينفع فيه الإسعاف ولا الاستطباب، يكون حينذاك عمل اللجنة هواءً في شبك، ولن تكون هناك جدوى من سلسلة تكوين اللجنة التحقيقية وخلقها، بدءًا من “جرة القلم” مرورا بتحديد الرئيس والأعضاء وصولا الى الصرفيات والكلف التي عُينت وحددت لها، إذ لن تأتي كل هذه التخصيصات بشيء ينفع القضية ولا المؤسسة ولا البلاد ولا ملايين العباد، والسبب أن الإسعاف جاء متأخرا..! وكما يقول عمرو بن معد يكرب:
ولو نارا نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في رماد
ومايزيد بؤس عملية تشكيل اللجان التحقيقية.. وسوداوية اختيار رؤسائها وأعضائها.. وضبابية عملها.. و “طرگاعة” تخصيص نفقاتها.. و “فرگاعة” مايرافقها من تواطؤات.. هو نسيانها في وادٍ لازرع فيه ولاحساب ولامتابعة، تحت شعار “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون”. الأمر الذي يفضي في نهاية المطاف الى فشل اللجنة في التوصل الى أية نتيجة، ذلك أن توقيت تشكيلها كان فاشلا منذ بداية المطاف، وكذلك لانعدام الرقابة على مراحل عملها وانجازاتها، والأمثلة على اللجان التحقيقية في الساحة العراقية على مدى الأعوام الستة عشر الأخيرة كثيرة وطويلة وعريضة.