الهيئات المستقلة … وإرادة السيطرة وامتداد النفوذ ؟! – 1

الهيئات المستقلة … وإرادة السيطرة وامتداد النفوذ ؟! – 1
آخر تحديث:

بقلم:اياد عبد اللطيف سالم

الهيأة هي الحال التي يكون عليها الشيء محسوسا كان أو معقولا ، وفي العرف الإداري غالبا ما تكون الهيئات وحدات إدارية تقوم بنشاط فني يتطلب قدرا كبيرا من التخصص ، وهي بذلك جزء من الهيكل الإداري العام للسلطات الإتحادية في الدولة ، ولكنها مستقلة من حيث إدارة شؤونها الإدارية والمالية وتنفيذ إختصاصاتها ومهامها وواجباتها وفقا لقوانينها الخاص ، وليس معنى ذلك أن تكون مستقلة تشبها بالتحرر والخلاص من ربقة القيد والسيطرة الأجنبية ، أو ذات إستقلالية بمعنى النزعة الرامية إلى الإنعتاق من قبضة السلطة الرقابية العليا ، لأن الهيئات التي تتمتع بالإستقلال الإداري والمالي فقط ، لا تخرج من دائرة هيمنة وسيطرت السلطات المرتبطة بها بأي حال من الأحوال ، سواء في إختصاصاتها أو مهامها أو في أمورها الإدارية والمالية . أما المستقلة بتمام شؤونها والتي هي موضوع البحث ، فإن الإستقلال الإداري والمالي يكون جزء من إستقلالها الخاص ، ويتعداه إلى الإستقلال في أداء الوظائف والأعمال والمهام المهنية ، بحيث لا يكون لأية جهة صلاحية أو سلطة التدخل في أعمالها ، سواء المالية أو الإدارية أو وظائف إختصاصاتها ومهامها وواجباتها الفنية ، فهي جهات لا سلطان عليها ولا تخضع إلا لحكم القانون وأدواتها الداخلية ، وهذا النوع من الإستقلال يجعل منتسبي الهيئة وكلا حسب إختصاصه ، مستقلون في أداء مهامهم المنصوص عليها في قانون الهيئة ، وحيث سبق للمحكمة الإتحادية أن أعطت رأيا تفسيريا بقرارها المرقم (228/ت6/2006) في 9/10/2006 ، بشأن معنى الإستقلال الوارد في المادة (102) من الدستور، التي تنص على أن ( تعد المفوضية العليا لحقوق الإنسان ، والمفوضية العليا المستقلة للإنتخابات ، وهيئة النزاهة ، هيئات مستقلة ، تخضع لرقابة مجلس النواب ، وتنظم أعمالها بقانون ) ، وبأن ( منتسبي هيئة النزاهة مستقلون في أداء مهامهم المنصوص عليها في القانون ، ولا سلطان عليهم في أداء هذه المهام لغير القانون ، ولايجوز لأي جهة التدخل أو التأثير على أداء الهيئة لمهامها ، وأن الهيئة تخضع لرقابة مجلس النواب في أداء هذه المهام ، فإذا ما حادت عنها أو تجاوزتها ، فإن مجلس النواب يملك لوحده محاسبتها ويتخذ الإجراء المناسب في ذلك بها ، ومعنى ذلك أن هذه الهيئة تدير نفسها بنفسها ووفقا لقانونها ، شأنها شأن البنك المركزي الذي يتمتع بهذه الإستقلالية ، لتمكينه من أداء مهامه دون تدخل من إحدى الجهات ) .

ولدى مراجعة القوانين الخاصة بالهيئات المستقلة المنصوص عليها في الدستور ، تبين أنها جميعا تتمتع بالشخصية المعنوية التي أراد المشرع أن يعترف بها كمؤسسات حكومية ، ويعطيها الحق في ممارسة كافة أنواع التصرفات القانونية في التعامل ، وفي إكتساب الحقوق وتحمل الإلتزامات ، وأن يكون لها ذمة مالية مستقلة شأنها في ذلك شأن الأشخاص الطبيعيين ، كما إتضح عدم إتباع قاعدة عامة أو خاصة يتم بموجبها تحديد علاقة أو إرتباط أيا منها بمجلس النواب أو بمجلس الوزراء ، وإنما كان ذلك عشوائيا ولا يستند إلى أسس معلومة تأخذ بعين الإعتبار نوعية وحجم العمل وعلاقته المباشرة بمصالح الدولة العليا . كما إن الإقرار بوجود هيئات مستقلة تمارس أعمالها على وفق الأحكام التنظيمية الخاصة بها قانونا ، يستوجب مراعاة ما تقدم بيانه ، لأن الغموض والإبهام الذي يحيط بصياغة المواد الدستورية بإستخدام عبارات ( تخضع لرقابة مجلس النواب ) و ( مسؤولا أمام مجلس النواب ) و ( يرتبط بمجلس النواب ) و ( ترتبط بمجلس الوزراء ) ، وترك الباقيات غير المؤسسات من غير خضوع أو إرتباط ، يساعد على التأويل والإجتهاد غير المؤسس على قواعد أحكام الدستور ، فيكون الخلط بين المفاهيم مستندا إلى نفوذ الأهواء والرغبات الحاكمة بدافع المقاصد المتعددة ، ومن ذلك تفسير المحكمة الاتحادية العليا بقرارها المرقم (88/إتحادية/2010) في 18/1/2011 ، بناء على إستفسار من رئيس مجلس الوزراء ، والذي جاء فيه ( بأن ربط بعض الهيئات المستقلة ذات الطبيعة التنفيذية في عملها ، بمجلس النواب أمر لا يتفق مع إختصاص المجلس ، ويتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات ، ولا يتفق مع ما جرى العمل عليه في برلمانات العالم ، كما تجد المحكمة الإتحادية أن ( إرتباط ) بعض الهيئات المستقلة بمجلس النواب ، لا يحول دون الإشراف على نشاطاتها من قبل مجلس الوزراء ، تطبيقا لإختصاصاته الواردة في الدستور ، بإعتبارها جهات غير مرتبطة بوزارة ، أما بقية السلطات التي لم تحدد النصوص الدستورية إرتباطها بمجلس النواب أو بمجلس الوزراء وتمارس مهام تنفيذية ، وأخضع الدستور قسم منها ( لرقابة مجلس النواب ) أو جعلها ( مسؤولة أمام مجلس النواب ) ، فأن مرجعيتها لمجلس الوزراء ، ويكون لمجلس النواب حق الرقابة على أعمالها ونشاطاتها ، وتكون مسؤولة أمام مجلس النواب شأنها شأن أية وزارة أو جهة تنفيذية غير مرتبطة بوزارة ، سواء ذكر ذلك النص الدستوري أو لم يذكر ، تأسيسا على ما أورده من نصوص تعطي حق الرقابة لمجلس النواب على أعمال السلطة التنفيذية ) .

وإذ نؤيد عدم جواز إرتباط الهيئات المستقلة بمجلس النواب وإستمرار خضوعها لرقابته ، إنسجاما وأحكام المادة (61/ثامنا/ه) التي تنص على أن ( لمجلس النواب ، حق إستجواب مسؤولي الهيئات المستقلة وفقا للإجراءات المتعلقة بالوزراء ، وله إعفاؤهم بالأغلبية المطلقة ) ، مع ضرورة ضمان عدم إرتباطها بمجلس الوزراء بأي شكل كان ، حرصا على إستقلالية عملها وإبعادها عن مصادر المؤثرات السلبية للعلاقات التنظيمية الحاكمة ، وذلك بإرتباطها بالسلطة التنفيذية من جهة رئيس الجمهورية أو أحد نوابه ، إستنادا لأحكام المادة (73/عاشرا) من الدستور ، الخاص بصلاحية توليه ممارسة أية صلاحيات رئاسية أخرى واردة في هذا الدستور ، سيما وأن صلاحيات وإختصاصات مجلس الوزراء لا تمنع من ذلك ، إضافة إلى عدم إشارتها إلى إرتباط أو علاقة الهيئات المستقلة به من قريب أو بعيد ، ولأن بعض إختصاصات السلطات الإتحادية الحصرية تدخل ضمن مهام تلك الهيئات ، فلا بد من عدم التوسع في إنشاء وتأسيس الهيئات المستقلة السالبة لإختصاصات ومهام دوائر الحكومة المرتبطة أو غير المرتبطة بوزارة ، وتقييد ذلك بأحكام الضرورة القصوى والحاجة الملحة والملجئة لذلك ، وعلى أن تكون دواعي التأسيس أو الإنشاء قابلة للتنفيذ وتحقيق النفع العام ، وليس بصيغ الجواز الخاضع لإرادة الحكومة في تنفيذ سياستها الخاصة متى شاءت أو رغبت في ذلك ، أو لتمرير نصوص دستورية ظاهرها عام وتطبيقاتها خاصة لمنفعة محددة ومعينة .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *