امرأة ابكتني ..!بقلم •جلال النداوي

امرأة ابكتني ..!بقلم  •جلال النداوي
آخر تحديث:

قالت انه ولدها الوحيد الذي يعيلها وبناتها الثلاث ، كانت تخاف عليه من الغدر او الاختطاف ، ولكن ماحيلتها وهو يمتلك محلا لبيع الادوات الاحتياطية للسيارات في شارع 6 بالكرخ قرب مستشفى الكرامة ..
وبرغم ان هذا الشاب لاعلاقة له بالسياسة واخواتها الا ان موجة العنف الطائفي التي اجتاحت العاصمة بغداد حتى عام 2007 اضحت لاتستثني احدا ، كما ان تغول قوات المالكي في الاعتقالات العشوائية بدوافع طائفية للشباب الذين تعتقد انهم يمكن ان يشكلوا خطرا ، اصبحت هي الاخرى مصدر خوف وقلق للاباء والامهات .
” محمد ” يخرج يوميا صباحا من شقتهم السكنية الواقعة في شارع حيفا ليذهب الى محل عمله ، وتبدأ معها هواجس امه طيلة النهار حتى بعد عودته الى المنزل .. كان قلبها يخبرها ان امرا ما سيقع لابنها ولذلك كانت تسهر الليل خوفا من طرقة باب مفاجئة وذلك الذي اعتادت عليه العوائل البغدادية في سواد الليل تلك الايام !
تقول ام محمد التي روت قصتها لبرنامجي التلفزيوني الذي كنت اقدمه على الهواء مباشرة وهي تبكي ، ان ظنونها وماكانت تخاف منه قد وقع بالفعل ، الا انه لم يكن طرق للباب وانما مداهمة خلعته لتفاجأ عند الفجر بقوة عسكرية تقتحم الشقة وتقف فوق رأسها ، بينما كان محمد يغط في نوم عميق ، حتى صحى من نومه مرعوبا وكذلك بناتها وعم الهرج والمرج فأقتادوا ابنها بعد سؤاله عن اسمه .. ومن هنا بدأت المصيبة ..
يومين او ثلاثة من البحث في دوائر الامن والشرطة ارهقتها واصابها ما اصابها فيها ، توقفت بعد ان جيء بولدها ولكن .. المطلوب تنفيذ حكم الاعدام شنقا به امام سكان شارع حيفا !
اختارت القوة العسكرية التي جاءت به ساحة امام العمارة التي يسكنون وبدأوا باجراءات شنقه على سارية عمود كهربائي ..
كانت هناك ثلة من العسكر يتجولون مع اسلحتهم وجهوا الاوامر عبر مكبرات الصوت ان لايقترب او يخرج احد من السكان على الاطلاق وكان بضعة افراد من هذه القوة يلازمون بيت ام محمد لمنعها من الخروج ، بينما كان عويلها ونحيبها يشق عنان السماء ولم تنفع معها توسلات اخواته وتقبيلهن اقدام وبساطيل العسكر ليس لوقف تنفيذ الشنق وانما فقط لتقبيله والسلام عليه في وداع اخير وهو حي قبل ان يغادرهم ..
ام محمد كانت وبناتها يراقبن المشهد من بلكونة الشقة او من نوافذها _ لم اتذكر هذه الجزئية من الحديث _ وهاهو فلذة كبدها يشنق امام عينيها حتى اغمي عليها وفقدت الوعي .
بينما كانت هذه السيدة العراقية التي اخذت وقتا اكثر من المعتاد في سردها تروي قصتها للبرنامج وكانت دموعي دون ان ادري تنزل مدرارا دون وعي مني او بالاحرى لم اكن اسيطر على انفعالاتي ، لكني كنت اغطي وجهي بورقة احملها بيدي في الاستوديو وفي اليد الاخرى قطعة منديل اكفكف بها تلك الدموع ، حتى نلت عتبا باتصال هاتفي بعد انتهاء البرنامج من مالك القناة الذي لم يكن راضيا على ذلك المشهد !
لم تنتهي ماساة هذه المراة عند هذا الحد ، فالاوامر تقضي بأن تبقى الجثة متدلية لثلاثة ايام وعلى مدى هذه الايام الثلاثة كانت تجلس متربعة لايفارق ناظريها ابنها الوحيد بينما تحاول الكلاب السائبة الوصول الى الجثة كي تنهشها وكانت هي تصرخ بهذه الحيوانات وترمي عليها اشياءا لتبعدها ..
تلك قصة لم تزل لاتبارح ذاكرتي وصوت ام محمد مازلت اتحسسه وكأني اسمع الان تلك البحة فيه ، ولااخفي قاريء هذه السطور ان الدموع قد تجددت وانا اكتب هذه الكلمات .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *