التحالفات والائتلافات الانتخابية المُعلن عن تسجيلها لدى المفوضية العليا “المستقلة” للانتخابات، لا تشير إلى أي تغيير جوهري في العملية السياسية القائمة منذ 2003 يمكن حصوله نتيجةً للانتخابات المقبلة.العملية السياسية التي وَضعتِ الولايات المتحدة وبريطانيا أسسها وحدّدتا شكلها ومضمونها منذ ما قبل 2003، ستظلّ قائمة على نحو راسخ، مستبدّة بالبلاد برغم أنف العباد للسنوات الأربع المقبلة. القوى والاحزاب السياسية التي أصبحت، بفضل الوصفة الأميركية – البريطانية، متنفّذة في السلطة ومستحوذة على الثروة، تجمّعت هذه المرة أيضاً على الأساس الطائفي ( شيعة، سُنة) والقومي (عرب، كرد، تركمان.. الخ)، مع أنها جميعاً تقريباً لعنتْ ألف مرة نظام الاستقطاب والمحاصصة على أساس المذهب والقومية، وردّدت كثيراً على مدى السنوات الماضية القول بأن خروج العراق من مأزقه ومحنته يتطلّب كسر هذه القاعدة وتشكيل أحزاب وكيانات وائتلافات سياسية عابرة للدين والطائفة والقومية وخوض الانتخابات بها.
ها نحن لا نرى الآن ائتلافاً واحداً بين أحزاب شيعية وسنية أو بين أحزاب عربية وكردية وتركمانية أو بين أحزاب شيعية وسنية وكردية. شذّ عن هذه القاعدة ائتلاف الوطنية، بزعامة إياد علاوي، والتحالف المدني الديمقراطي، بقيادة الحزب الشيوعي، المتشكّلان على أساس وطني، إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كانت القائمتان اللتان ستخوضان الانتخابات باسم الائتلافين ستضمّان جماعات وشخصيات من القوميات الأخرى (الكرد والتركمان وسواهما). كما شذّت عن القاعدة كتلة الاحرار الصدرية التي يُعلن ممثلوها الآن أنها ستتحالف مع التحالف المدني الديمقراطي، وإذا حصل هذا فسيكون نقطة التحوّل الوحيدة في المعادلة، لكن من المتوقع أن تشنّ الائتلافات والكتل الشيعية الأخرى حرباً دعائية ضد “الاحرار” وزعيمها مقتدى الصدر للتأثير في قوتها التصويتية المحتملة.
ليس من الصعب اكتشاف أنّ التحالفات الطائفية، الشيعية والسنية، سعت هذه المرة إلى التحايل بتأسيس كيانات متناهية الصغر تحمل مسمّيات “المدني” و” الوطني” و” العراقي”، وضمّها إليها في سبيل إعطاء الانطباع بأنها متجاوزة الحدود الطائفية والقومية، لمواجهة المدّ المدني والوطني الذي عمّ البلاد في السنوات الأخيرة نتيجة للفشل الذريع والمدوّي الذي مُنيت به صيغة الحكم الطائفية – القومية (شيعة – سُنة – كرد)، بيد أن أسماء المشكّلين لهذه الكيانات (الجديدة الصغيرة) تفضح مكر الكيانات الكبيرة التي تقف وراء هذا الترتيب.
من الواضح أيضاً أنه ما من أحد من الكيانات المتنفذة في السلطة منذ 2003 يريد الخروج من شرنقة الطائفة – القومية. حتى رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي لم ينقصه إلا الوقوف عند شبّاك العبّاس والحلفان لتأكيد أنه يريد تشكيل ائتلاف سياسي وطني عابر للطائفية والقومية، يتبيّن الآن أنه غير قادر على، وربما غير راغب في، نزع دشداشته الطائفية.
جملة الكلام، أن مجلس النواب المقبل والحكومة المقبلة سيكونان في صورة المجلس الحالي والحكومة الحالية، وفي صورة المجالس السابقة والحكومات السابقة .. وعليه ليس متوقّعاً أن تكون العملية الانتخابية الوشيكة مختلفة في الشكل والمضمون عن عملية إعادة التدوير للنفايات والمخلّفات الصناعيّة.