انهم ينتظرون الملك !!

انهم ينتظرون الملك !!
آخر تحديث:

د. حسين القاصد

لا بد لنا ان نقف على حقيقة النهضة الأدبية وهل كان الشعراء مهيئين لها ، ام تابعين للسياسي بحكم السلطة والمال ، فالشاعر يفتقر الى ابسط متطلبات العيش ، والسلطة تملك كل مايريد الشاعر ، والشاعر بين خيارين ان يكون مع السلطة او ضدها ، فضلا عن شعوره بأنه احق من السلطة بالسلطة نفسها ؛ لذلك فإن ما مرّ به الجواهري ـ على سبيل المثال ـ من حياة اجتماعية واقتصادية قاسية يدفعنا الى الميل بأن الثقافة العربية لم تكن مهيأة للنهضة اقتصاديا واجتماعيا ، لذلك دار شعراء بداية القرن العشرين في فلك استنساخ ماضي الامة ومجدها الشعري واستدعائه بالكامل ، دون اية محاولة للخروج من سطوته وشرنقته . 
فالشعراء العراقيون الذين ابدوا تفاؤلهم بالدستور العثماني عام 1908 ، منهم من شاب تفاؤله بعض التشاؤم وعدم الثقة في السياسة العثمانية ، على الرغم من ترحيبهم بالدستور الذي يمثل ولادة اولى للدولة العراقية ، لكن بعض الشعراء احس بعدم جدية العثمانيين وعبر عن ذلك الاحساس شعرا ، فانطلقت قصائد محمد رضا الشبيبي والرصافي والزهاوي والكاظمي وعبد الرحمن البناء وابراهيم منيب الباججي ، وكان التنبؤ بعدم قدرة الدستور العثماني على تغيير الحالة الاجتماعية في العراق نحو الاحسن فجاءت قصائد علي الشرقي ومحمد رضا الشبيبي معبرة عن هذا الشعور. وبلا ادنى شك ـ والحال هذه ـ 
ان الشاعر هنا مارس سلطته ضميرا ناطقا على لسان الشعب في ظل غياب سلطة وطنية . وحين يبدأ الحكم الملكي تتجلى بوضوح علاقة الشاعر بالسلطة ، سلبا او ايجابا ، ففي قصيدة كانت معدة لقدوم الملك الشريف حسين للعراق ، الا انه لم يأت لأسباب ما ، يقول صالح الجعفري: حيِّ الجزيرة بالمليـ ـك ابي الملوك الأكرمينا   شيخ السقاية والرعا ية والحجيج الوافدـــــينا.  لكن الخطاب بمجمله ورسالته الواضحة محنط ، لأن الملك لم يزر العراق ـ لظروف خاصة به ـ 
وقتها ولا أحيا ميّت الآمال ، ولا سعدت به بغداد . وممن مدحوا الشريف حسين ، الشاعر محمد مهدي الجواهري بقصيدة طويلة عنوانها (الملك حسين):  أرى الشعب في أشواقه كالمعلق لما حدثوه عنك يرجو ويتقي الى قوله : 
سلامٌ على شيخ الجزيرة كلها سلام على تاريخه المتألق الى قوله : أبا فيصل بعضَ التعزي فكم رمت شهامة قوم شملهم بالتفرق. والقصيدة طويلة ، لكن مايلفت الانتباه في قصيدتي الجعفري والجواهري هو نوع غريب من المدح ، لي ان اطلق عليه تسمية ” المدح الاستباقي ” ؛ فاذا كان هذا ماقيل قبل وصوله ، فماذا يقال حين يصل ، فضلا عن كونه مدحا مزدوجا لأن مادح الملك حسين يكون قد حقق مدح الملك فيصل فمدح الاب هو مدح للإبن الذي له ان يفخر بأبٍ له كل هذا الاستقبال الشعري ، وكأن الشاعر هنا اصبح اشبه بموظف تشريفات ، بغض النظر عن قناعته او عدمها في مدحه  للملك .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *