باكورة معاجم المصطلح الفلسفي في التاريخ

باكورة معاجم المصطلح الفلسفي في التاريخ
آخر تحديث:

د. رسول محمد رسول

عن منشورات المعهد القومي لعلوم التربية، صدر في تونس العاصمة كتاب (الدال لأرسطو)، وهو ترجمة ودراسة تحليلية ومعجمية أعدّتها نخبة من المتخصّصين في الدرس الفلسفي، وهم: عبد الكريم المرّاق، ومحمد المرزوقي، ومحمد محجوب، وينقسِمُ الكتاب، الذي يقع في 88 صفحة من القطع المتوسِّط، إلى ثلاثة أقسام: المقدمة (9 – 14)، والنص المتن المترجم (15 – 89)، ودراسة تناولت منزلة الدال في فلسفة أرسطو (71 – 88).  

ومقالة الدال هي الخامسة في كتاب أرسطوطاليس (ما بعد الطبيعة)، والمقالة هي عبارة عن مُعجم 

يتضمّن ثلاثين لفظاً فلسفياً. 

وكانت مقالات (ما بعد الطبيعة) نُقلت إلى العربية من جانب مُترجمين عرب قدامى انبروا إلى ترجمة النصوص الفلسفية اليونانية إلى اللغة العربية عبر السريالية وغيرها ضمن مشروع الامتداد والتواصل الثقافي الذي ميّز مرحلة حضارية كان جربها العرب في مرحلة سابقة، إلّا أن أغلب هذه الترجمات قد فقدت في نصها العربي وكذلك 

في نصها السرياني سوى ما جمعه ابن رشد 

(520 – 595 هجرية) في كتابه (تفسير ما بعد الطبيعة)، الذي عكف المستشرق الفرنسي الأب موريس 

بويج (1878 – 1951) على تحقيقه ونشره في 

أربعة مجلدات بين سنتي 1938 حتى سنة 1952. 

العرب والمصطلح

تستعرض المقدِّمة اهتمام الفلاسفة العرب بالمصطلح الفلسفي، ويذهب الدارسون إلى أن الكندي (185 – 256 هجرية ) هو أول فيلسوف عربي ألّف رسالة «في حدود الأشياء ورسومها»، وهذا خطأ وقع فيه العديد من الدارسين للمصطلح الفلسفي؛ فهناك محاولات فد سبقت تجربة الكندي، مثل: «رسالة الحدود» لجابر بن حيان (ولد سنة 101 للهجرة وعاشر القرن الثاني الحجري برمته)، وهي الرسالة التي تعد حتى الآن أول مشروع معجمي في دوائر التراث الفلسفي العربي. وينصرف الحديث، بعد ذلك، عن محاولات أخرى للفلاسفة العرب في هذا المضمار مثل: تجربة الفارابي (260 – 339 هجرية) في كتابه (إحصاء العلوم)، وابن سينا (370 – 427 هجرية) في «رسالة الحدود»، التي أكّد المعدون بأنها وبمعيّة «رسالة الحدود» للكندي كانتا قد وضعتا على غرار «مقالة الدال لأرسطو». (انظر: ص 11). والواقع أننا، هنا، بإزاء حُكم نقدي عام لا يستند على تحليلات تأريخية ونصية؛ فما قدمه 

الكندي من نحوت واشتقاقات جديدة للألفاظ والحدود يؤكّد على أصالة وإبداع الجهاز المفاهيمي لديه، أما مرجعية رسالة ابن سينا في هذا 

المجال إلى المنظومة المصطلحية الأرسطية فهو أمر لا شك فيه، ولكن ما أثبتته دراسات عديدة جديدة 

في هذا المضمار يثبت أثر المنظومة الفلسفية 

الفارابية في فلسفة ابن سينا والفلاسفة الذين أتوا من بعده. 

وهذا الاستنتاج يقوّض الاعتقاد السائد بأن الخطاب الفلسفي العربي القديم هو مجرّد إعادة كتابة للأنظمة الفلسفية اليونانية باللسان العربي، ويكشف عن أصالة ووحدة وتواصل حركية المعرفة الفلسفية لعربية في تلك المرحلة.

النص المتن

أما القسم الثاني من كتاب (مقالة الدال لأرسطو) فقد خُصص لترجمة النص الأصلي لمقالة الدال، وقد وصل تعداد المصطلحات الواردة في هذا النص إلى ثلاثين مصطلحاً كان أوّلها اصطلاح «المبدأ» الذي يترجمه روس إلى «Beginning”، ويترجمه جون وارنجتون إلى “Principle”، وتنتهي سلسلة المصطلحات بملفوظ “العرض” الذي يرد عند ابن رشد في التسلسل رقم 7، بينما يرد في الترجمة العربية المحدثة في التسلسل ثلاثين.

إن قارئ النص العربي القديم لمقالة الدال لأرسطوطاليس يجد نفسه إزاء تكوين نصي يقترب، شكلاً ومضموناً، من الروح الفلسفية التي يعهدها قارئ الفلسفة اليونانية في توجهاتها العربية القديمة، وأن ما قدمه المترجمون الجدد لمقالة الدال عن الترجمة الفرنسية يستعين، على نحو أو آخر، بالترجمة العربية القديمة للنص، ولكن ومع ذلك تبقى ترجمة المتخصص العربي القديم للنص ذات أولوية في المرجعيّة والتوثيق والتحليل والتوظيف الفكري. 

وإذا كان النص الأرسطي بترجمته القديمة عصي الإدراك أو الفهم، نوعاً ما، فإن الفارق هنا هو فارق الزمن ليس إلا. 

وإذا كان المترجمون الجُدد قد عملوا بهدي من مشروعهم الفكري والثقافي لنقل عون التراث اليوناني إلى العربية، فإنهم بذلك يقدّمون منجزاً ثقافياً كبيراً فيما لو ترجموا فلسفية أخرى غير مُترجمة إلى العربية.

إن مقارنة أوليّة لترجمة النص القديم مع المحدث تكشف عن البؤس الذي يصيب المُترجم العربي المعاصر وهو يتوجّه إلى ترجمة فرنسية لنص يوناني بغية نقله إلى اللغة العربية.

أما القسم الثالث من الكتاب فهو عبارة عن دراسة موجزة للنصوص وهي مستلة من دراسة سبق وأن نهض به أبو يعرب المرزوقي في كتابه (أبستمولوجيا أرسطو)، إلا أن البحثين ركزا على تموضع مقالة الدال في إطار البنية العام لكتاب (ما بعد الطبيعة) لأرسطوطاليس، وجاء في الدراسة: “إن مجموعة كبرى من القرائن تبين أن مقالة الدال ليسن مجرّد معجم يمكن أن يكون في أول كتاب (ما بعد الطبيعة) أو في آخره أو في أي موقع؛ بل إن محتواه وموقعه وترتيب المفردات المحدودة فيه كلها عناصر ذات خصائص مهمة لأنها مرادة لغاية تجعلها هي ما هي” (ص 72).

معاني الوجود الأربعة

إن كتاب الدال هو عبارة عن مقدِّمة وتمهيد لمقالة «الواو» التالية لمقالة «الدال»، فمعاني الوجود الأربعة التي عرفها أرسطو في «الدال» ما هي إلا محاولة استخراج وكشف لمعاني هذا المفهوم، وأن ما سيقوم به أرسطو، فيما بعد، في مقالة «الواو» هو الانصراف إلى تحليل وتحديد وتوسيع معاني ودلالات وعلاقات المعاني الأربعة لمفهوم الوجود.

وأعتقد أن ثمَّة دورا آخر أعمق يمارسه كتاب «الدال» ذلك هو الكشف المستغرق لجميع المفهومات ذات الوحدة التناسبية التي يجتاحها عالم ما بعد الطبيعة لتأسيس علم ليس موضعه بذي وحدة تواطئية مثل موضوع العلوم الجزئية، وليس بذي وحدة مشتركة مثل موضوع السفسطة.

والخلاصة أن عملية البحث عن بنى وعلامات في داخل النص الأرسطي هي عملية ذات فائدة 

معرفية هائلة، وأن ما قدمه المترجمون 

والدارسون الجُدد في هذه الورقات يُعد بادرة علمية مهمة؛ 

إذ ما يزال الوعي الفلسفي في عالمنا العربي المعاصر بحاجة إلى أكثر من درس جديد في كتاب أرسطو طاليس 

(ما بعد الطبيعة)، وربما كان البحث البنيوي 

مثمراً في ميدان التحليل والبناء؛ فثمّة إمكانية معرفية يكتنزها النص الأرسطي لإعادة تكوينه بوعي 

دارس جديد يرتكز على أُسس البنية» 

و«العلاقة»، وصولاً بهما إلى تحديد بنية الخطاب المعرفي والفلسفي الذي كان أرسطوطاليس يعمل ضمنه.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *