بحرق مخازن المفوضية، انتم تحرقون العراق أيها السادة
آخر تحديث:
بقلم:علي سليم عمر علي
التزوير، مثلما هو الفساد، حقيقتان ملموستان وواقع معاش إلى حد البداهة في العراق، البعض ربما يؤرخ له منذ 2003، غير أن الحق والإنصاف يقتضيان الاعتراف أن التزوير والفساد لهما امتدادات في طول تاريخ العراق القديم والحديث وعرضه، وإن بدرجات متفاوتة، وإن كان الحق والإنصاف يقتضيان، مرة أخرى، الإقرار، أن الحالة تفاقمت بشكل غير مسبوق بعد 2003.
ليس أدل على ذلك أن الجميع، بدون استثناء يتبادلون اتهامات التزوير والفساد ويدّعون ظاهريا إلى مكافحتهما والقضاء عليهما، وغرض الجميع المخفي هو قهر المنافس والأنفراد بما يسمونها الكعكة.
لا شك أن الجميع يمارس التزوير ويعرف أن الآخر يزور ولكنهم في النهاية يتوصلون إلى تسوية تسمح لهم جميعا باستحصال المقسوم، وان الإنتخابات في النهاية ليست سوى واجهة خرقاء لا تستر العوارت ، حتى عندما فلتت انتخابات 2010، بعض الشيء وجاءت النتائج خلافا لما هو مرسوم له وتصدرت قائمة علاوي، بادر القوم إلى تزوير و تحريف فقه الدستور وتشويه العرف السائد في كل ديمقراطيات العالم وجاءوا ببدعة تسمية ممثل الكتلة البرلمانية الأكبر المشكلة بعد الإنتخابات لتشكيل الحكومة بدلا من الكتلة الفائزة في الإنتخابات، ومن ثم اطاحوا بعلاوي ومزقوا إئتلافه شر تمزيق بطريقة لا تترك له مجالا إلى الإلتئام مرة أخرى في المستقبل. وهو ما حصل فعلاً.
الا ان تجربة علاوي، على ما يبدو، لا يمكن تطبيقها هذه المرة، فالصدر، كما لا يخفى على أحد، ليس علاوي، وتياره جارف وليس تجمعا مصلحيا مهلهلا، وله ذراع مسلح ذو باع طويل على الساحة، إن في مقارعة الاحتلال أو في دحر داعش أو حتى في مآسي الحرب الأهلية، ويتغلل في مختلف صنوف القوات المسلحة العسكرية والأمنية، وقد رأينا جميعا كيف أن العديد من الأفراد، ضباطا وضباط صف وجنوداً، اصطفوا ضد القوات الحكومية في عمليات فرض القانون التي أطلقها المالكي إبان دورته الأولى في المحافظات الجنوبية. هذا على الأقل هو ظاهر الصورة القريبة من الواقع كثيرا.
مع ذلك، لم ييأس الذين لم تعجبهم النتائج. لا الخاسرون الذين ضربت مصالحهم مباشرة ولا البعض الأكبر من الفائزين الذين أصبحت مصالحهم ومصالح داعميهم الايرانيين في خطر. هكذا رأينا الخاسر الأكبر، وهو بالمناسبة الحلقة الأضعف، يتصدر المشهد ويقود الركب ويبث الحيوية والنشاط في البرلمان الذي عرف عنه على مدار دوراته المختلفة، الشلل والحلل، فأصدر القرارات والقوانين، بعضها على بعض، في تعدي صارخ لسلطاته وتجاوز خطير لمفهوم الفصل بين السلطات.
ثم، لدهشتنا، رأينا مناورة مفضوحة من مجلس القضاء الاعلى عندما قام بإصدار بيان يظهر فيه التزامه بالقانون ودعمه لقانون الانتخابات ومساندته للمفوضية ويقر على أنهما الوحيدان المخولان للنظر في الطعون الانتخابية، بما يعني رفضه لتحركات البرلمان، ثم تبين في اليوم التالي أن بيانه لم يكن سوى تدليس وتمويه عندما سارع إلى تبني تعديل قانون الانتخابات الذي صوت عليه البرلمان دون أن يمر في القنوات الدستورية، فضلا على ما يقال حول عدم دستورية الجلسة البرلمانية. بل رأينا من يسمونه خبيرا قانونيا يفتي بنفاذية القانون حال التصويت عليه تحت قبة البرلمان في صفاقة يحسد عليها. كل ذلك في غياب غير مفهوم لدور جميع القوى الفاعلة على الساحة، سواءاً في الأمر الفائزون والخاسرون بشكل مباشر وغير مباشر.
أخيراً ، يبدو أن الناس، بعد أن كل هذه الاجراءات، وبعد سيطرتهم على المفوضية واطلاعهم على خفايا التصويت، اقتنعوا بعدم إمكانية استبعاد الصدر وتغيير النتائج فأصدروا أوامرهم بحرق العراق.. عفوا أصدروا أوامرهم بحرق مخازن المفوضية