بغداد/ شبكة أخبار العراق – أدناه نص خطاب ممثلة الأمم المتحدة بلاسخارت أمام مجلس الأمن الدولي مساء أمس الثلاثاء حول الوضع العراقي…
(سيدي الرئيس، السيدات والسادة أعضاء مجلس الأمن الموقرون،
بقدر ما كنت أود أن أكون معكم في قاعة المجلس هذا اليوم، بيد أننا، وقد مررنا للتو بانتخابات العاشر من تشرين الأول، ارتأينا أن توجيه خطابي لكم من بغداد سينطوي على فعالية أكبر. وغني عن القول إنني أتطلع حقاً للالتقاء بكم شخصياً مطلع العام القادم.
وبالنظر لأهمية الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فضلاً عن التطورات السياسية والأمنية منذ إجرائها، سيكون تركيز إحاطتي اليوم بشكل رئيسي على أوضاع الانتخابات وما تلاها.
في البداية، أود حقاً أن أبدي ملاحظة إيجابية وعلى نحو قاطع: لقد كانت الانتخابات التشريعية الماضية هي الخامسة التي تُجرى بموجب الدستور العراقي لعام 2005، وكانت تنطوي على الكثير مما يمكن للعراقيين أن يفخروا به.
وكما سبق أن أشرنا: كان تقييم الانتخابات أنها كانت بصورة عامة هادئة وحسنة الإدارة وأظهرت تحسناً فنياً وإجرائياً واضحاً، ومثلت بصفة عامة إنجازاً كبيراً يَحسُن بالسلطات والأطراف العراقية الإقرار به علناً.
وكذلك، لا أغالي في القول إن تلك الانتخابات تحققت بشق الأنفس، ولنتذكر أن انتخابات تشرين الأول انبثقت من موجة غير مسبوقة من التظاهرات التي عمت أرجاء البلاد في عام 2019. تظاهرات تخللها عنف واستخدام مفرط للقوة وعمليات اختطاف وحالات استهداف بالقتل. تظاهرات أسفرت عن مئات القتلى وآلاف الجرحى.
سيدي الرئيس، لا يمكننا أن ننكر أن الانتخابات ومخرجاتها يمكن أن تثير مشاعر قوية، وينطبق ذلك على أي نظام ديمقراطي في أرجاء المعمورة، وليس العراق استثناءً من ذلك. وتبعاً لمواقف الأشخاص، يمكن تتصاعد حدة تلك المشاعر.
وفي الغالب، تثير تلك المشاعر الحادة نقاشاً مكثفاً حول أمور مثل: التوجه الذي ينبغي للبلد أن يتبناه. ولا ضير في ذلك على الإطلاق، حيث إن مثل هذه النقاشات هي بمثابة حجر الأساس للتعددية وتدل على المشاركة السياسية.
ومع ذلك، إذا أفسحت هذه المشاعر والنقاشات المجال أمام دوافع غير ديمقراطية -كالتضليل أو الاتهامات التي لا أساس لها أو الترهيب أو التهديد بالعنف أو ما هو أسوأ- فعاجلاً أم آجلاً، سيُفتح المجال أمام ممارسات، هي ببساطة، لا يمكن التهاون إزاءها.
سيدي الرئيس، في السابع عشر من تشرين الأول، شرعت الأطراف التي ترفض نتائج الانتخابات بالتظاهر والاعتصام، وتصاعدت حدة تلك التظاهرات والاعتصامات في الخامس من تشرين الثاني، وتم الإبلاغ عن خسائر بشرية في بغداد.
وفي الساعات الأولى من صباح يوم السابع من تشرين الثاني، وقعت محاولة اغتيال استهدفت رئيس الوزراء، وهي بمثابة هجوم مباشر استهدف الدولة، وفعل شنيع لا يمكن إلّا أن يدان بأشد العبارات.
اسمحوا لي أن أتكلم بوضوح: لا يجوز تحت أي ظرف السماح للإرهاب والعنف و/أو أي أعمال غير قانونية أخرى بإخراج العملية الديمقراطية عن مسارها في العراق.
ومن أجل تخفيف التوترات، فإن الهدوء وضبط النفس والحوار يمثل السبيل الوحيد للمضي قدمًا.
والحقيقة هي أنه يتعين على المواطنين في النظم الديمقراطية في كثير من الأحيان أن يدركوا أنه حتى لو لم تكن النتائج كما كانوا يأملون، فإن العملية على النحو التي هي عليه قد تكون سليمة. وفي الواقع، من أوضح العلامات الدالة على تعزيز الديمقراطية عندما يتعلق الأمر بالنتائج هو قدرة الأحزاب والناخبين على الاعتراف بالنتائج، بغض النظر عمّا يفضلونه كأفراد.
وفي حالة العراق، فإن مجموع الأصوات على المستوى الوطني لا يمثل بالضرورة عدد المقاعد التي قد توقعتها بعض الأطراف. كيف ذلك؟ حسناً، على سبيل المثال، وجود عدد كبير جداً من المرشحين في دائرة انتخابية واحدة ربّما يؤدي إلى تشتت الأصوات.
ومن المثير للاهتمام في حالة العراق أن أداء المرشحات كان يبدو ناجحاً بدرجة كبيرة، وبذلك تمت الاستفادة من (الكوتا) المقررة للمرأة والتي تبلغ 25 بالمائة ومن المرجح أنه تم تجاوزها، وتلك النسبة تمثل الحد الأدنى (لتمثيل المرأة) وليس السقف الأعلى.
ما أود أن أقوله هو: في حين أنه قد يكون من الصعب تقبل خسارة المقاعد، إلا أنه من المهم – لأي حزب في أي نظام ديمقراطي – دراسة أسباب الخسارة والتعلم منها من أجل الانتخابات التي تجري في المستقبل.
وفيما يتعلق بأي مسائل أخرى، بما في ذلك الاتهامات بالتلاعب بالنتائج، فإن القنوات القانونية القائمة تبقى متاحة؛ وقد استخدمت تلك القنوات في حالة العراق على نطاق واسع. ولكن حتى الآن، وكما صرحت بذلك السلطة القضائية العراقية، لا دليل على وجود تزوير ممنهج.
سيدي الرئيس، لقد لاحظنا في الأسابيع الأخيرة افتقاراً شديداً إلى الثقة. افتقارٌ إلى الثقة فيما بين الأحزاب، وبين الأحزاب والمؤسسات، وبين الأحزاب والسلطات، ناهيك عن انعدام الثقة العامة منذ أمد طويل في الساسة والمؤسسات على حد سواء.
ولا يخلو هذا الأمر من مخاطر، حيث يؤدي انعدام الثقة في كثير من الأحيان إلى التصعيد.
لذا، فإن دعواتنا المستمرة هي أن يسود الحوار السياسي، ومرة أخرى، يتوجب التعامل مع أي من المخاوف الانتخابية التي لا تزال قائمة من خلال القنوات القانونية القائمة حصراً ووفقًا للقانون، ولا معنى لاستخدام الآخرين ككبش فداء للتظلمات الانتخابية.
ما هو الوضع القائم فيما نتحدث إليكم الآن؟
لن تكون النتائج نهائية إلا بعد مصادقة المحكمة الاتحادية العليا عليها، وسيتم ذلك بمجرد أن تبتّ الهيئة القضائية الانتخابية في الطعون المقدمة إليها.
ولا يسعني اليوم إلا أن أقول إنه يتعين التحلي بمزيد من الصبر. تقوم الهيئة القضائية الانتخابية بوضع اللمسات الأخيرة على عملها، وتقوم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بإجراء مزيد من الفحص لأكثر من 800 محطة اقتراع بناءً على القرارات الصادرة عن الهيئة القضائية الانتخابية. وبمجرد الانتهاء من ذلك، من المتوقع أن ترسل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية إلى المحكمة الاتحادية العليا.
وفي حين أنه من المستحسن أن تتم المصادقة على النتائج النهائية عاجلاً وليس آجلاً، فمن الجدير بالملاحظة عدم وجود مهلة زمنية محددة في الدستور لمصادقة المحكمة الاتحادية العليا على النتائج.
ومن هذا المنطلق، اسمحوا لي ان أؤكد أن: أية محاولات غير مشروعة تهدف الى إطالة أو نزع مصداقية عملية إعلان نتائج الانتخابات، أو ما هو أسوأ: كالقيام بتغيير نتائج الانتخابات عبر الترهيب وممارسة الضغوط، (على سبيل المثال) لن تسفر إلا عن نتائج عكسية. وإنني أدعو كافة الأطراف المعنية إلى عدم الدخول في هذا المنزلق.
سيدي الرئيس، في خضم هذه الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات، من الواضح أنه لا يمكن للعراق ان يتحمل التغاضي عن مصالحه الوطنية.
وكما أسلفتُ: فإن الانتخابات ليست غاية، بل إنها وسيلة.
وفي حين أن خطر استمرار الانسداد السياسي حقيقي، فإن العراق بحاجةٍ ماسةٍ إلى حكومة قادرة على التعامل بسرعة وفاعلية مع لائحة طويلة من المهام المحلية غير المنجزة، وهذه هي المسؤولية الأساسية لكافة الأطراف السياسية المعنية.
وبعبارةٍ أخرى: من المهم ألّا يستمر الوضع الحالي كما هو. وهناك حاجة إلى الحنكة السياسية والقيادة وحسن التقدير، كل ذلك مطلوب، وكذلك الالتزام على نطاق واسع بالحوار السياسي باعتماد معلومات واقعية كأساس للمناقشات وصنع القرار.
ومن الواضح أن الوقت هو جوهر المسألة. وكما ذكرت في شهر آب، فأن الوقت قد حان للعراق لكي يخرج من الجمود السياسي الذي طال أمده، وأن ينشئ آليات حوكمة تتسم بالحيوية وسرعة الاستجابة.
وفي الحقيقة، فأن المرحلة الراهنة لفترة ما بعد الانتخابات هي الوقت المناسب الذي تبرهن فيه كل الأطراف السياسية الفاعلة عزمها لخدمة كافة العراقيين.
مرةً أخرى، لا يسعني إلا أن أشير إلى الأحداث التي أفضت في الأساس إلى إجراء انتخابات تشرين الأول. إن انعدام الفرص السياسية والاقتصادية والاجتماعية دفع بعدد كبير من العراقيين إلى الخروج في تظاهرات. ولا تزال مطالبهم وتظلماتهم تتسم بالأهمية كعهدها دائماً. وكما نعلم جميعاً، فإن الغضب المتأجج يزداد بسهولة.
وبصراحة، فأن المشهد الحالي للعراق محفوف بالمخاطرــ وهذا اقل ما يقال. وفي ظل غياب إصلاحات حقيقية، فلن يتحسن الوضع. بل على العكس.
سيدي الرئيس، بعض الملاحظات النهائية حول قضية المفقودين من الكويتيين ورعايا البلدان الأخرى والممتلكات الكويتية المفقودة بما في ذلك المحفوظات الوطنية:
أعلنت الكويت بتاريخ 18 تشرين الثاني التعرف على هوية 19 أسيراً ومفقوداً كويتياً آخرين، وبذلك يصل العدد الإجمالي للمفقودين الكويتيين ورعايا الدول الأُخرى الذين تم التعرف عليهم حتى الآن إلى 59 شخصاً- منهم 57 كويتياً وشخصين سعوديين.
ولم يكن هذا التقدم ممكناً لولا الجهود المتضافرة والدؤوبة التي بذلت في العامين الماضيين والجمع بين عنصرين هما معلومات الشهود وصور الأقمار الصناعية.
وهنا أود أن أؤكد على أهمية اغتنام الحكومة العراقية لفرصة هذا الزخم واستخدام هذه العناصر لتحديد أماكن وجود رفات ما يزيد عن 300 كويتي مفقود وغيرهم من رعايا البلدان الأخرى. وإنني على ثقة من أن الالتزام الراسخ لكافة الجهات ذات العلاقة يمكن أن يُسرع حل هذا الملف الإنساني.
ويسرني أيضًا أن أعلمكم أنه بعد التأخيرات الكبيرة بسبب جائحة كورونا، أكملت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق بتاريخ 18 تشرين الثاني وبنجاح تدريب 20 موظفاً عراقياً من وزارة الدفاع على استخدام رادار استكشاف باطن الأرض (GPR)، والذي يمكن أن يساهم بشكل أكبر في تحديد مواقع الرفات البشرية بالإضافة إلى معلومات الشهود وصور الأقمار الصناعية.
سيدي الرئيس،
في الختام، اسمحوا لي أن أعيد التأكيد على أن إجراء انتخابات تشرين الأول تخللته صعوبات، ولكن المهم أنها تمت إدارتها فنياً بشكل جيد. وهي عملية تستحق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وآخرين التقدير بشأنها.
وفي الواقع، يمكن أن تكون الانتخابات البرلمانية الأخيرة بمثابة نقطة انطلاق مهمة على مسار أطول نحو استعادة ثقة الشعب.
وبينما ننتظر مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على النتائج، لا يسعني إلا أن أؤكد أن ما سيحدث في الأيام والأسابيع المقبلة سيكون له أهمية أكبر في مستقبل العراق القريب.
لا يمكن أن تكون أهمية عملية سليمة وجامعة لتشكيل الحكومة أمراً مبالغاً فيه.. شكرا لكم).