كاظم فنجان الحمامي
ليس للخسة حدود، وليست للنذالة قيود، وليس للفاشلين والأغبياء ما يفك شفرة عقولهم المتحجرة، ويعصف بأدمغتهم المعطلة، ولا سبيل لإنعاش قلوبهم الجاحدة، فما بالك بالذين فقدوا مروءتهم، وتنازلوا عن وطنيتهم، وتجاهلوا حقوقنا نحن أبناء العراق، فلم يعاملوننا مثلما تتعامل بلدان العالم مع شعوبها المنكوبة، وهل هنالك نكبة يمكن مقارنتها بمتوالية النكبات والمآسي المزمنة التي استباحت دمائنا دونما سبب ؟. وهل هنالك خسة تماثل خسة الأنذال الذين ابتلي بهم العراق.
شاهدوا الفضائيات الأردنية، وانظروا كيف تضافرت جهودها كلها في مواساة الشعب الأردني بعد إعدام الطيار (معاذ الكساسبة) حرقاً بفتوى أطلقتها منظمات تكفيرية سافلة، وكيف قطعت برامجها وكرست وقتها كله لتغطية هذه الفاجعة المؤلمة، التي مات فيها شخص واحد فقط، ثم قارنوا كيف أشاحت فضائياتنا العراقية المئوية بوجهها عن أعظم النكبات التي راح ضحيتها أكثر من (11) ألف شاب عراقي في معسكر سبايكر علي يد المنظمات التكفيرية السافلة نفسها.
مات الطيار الأردني حرقاُ بمشاعل التكفيريين، وسقط العراقيون بالمئات في محرقة عظيمة أشعلها التكفيريون عام 2013 في شارع عبد الله بن علي وسط البصرة، فلم تتوقف فضائياتنا لحظة واحدة عن بث برامج الدق والرقص، أما المثير للدهشة والباعث على العجب العجاب في هذا الموضوع، فهو أن قيادة عمليات البصرة ربط مسببات هذه المحرقة البشرية بتماس كهربائي مزعوم، فكانت شهادات الوفاة مذيلة بإشارات صريحة لهذا التماس الكهربائي على الرغم من اعترافات الإرهابيين أنفسهم بهذه المجزرة.
هل رأيتم حكومة تضحك على شعبها بهذه الطريقة المخزية ؟. وهل سمعتم بحكومة تشبه حكومتنا في المراوغة مع شعبها بهذه الأساليب الفجة ؟.
قبل بضعة أيام هرع العالم كله لمواساة الشعب الفرنسي بعد موت (12) شخصاً فقط في تفجير صحيفة (شارلي أبيدو)، فسار زعماء العالم في مواكب جنائزية حزينة طافت شوارع باريس. أما في العراق فلم يكترث بنا أحد، ولم تعبأ بنا المنظمات التي تزعم محاربتها للإرهاب.
يبدو أننا هبطنا إلى الأرض من كوكب آخر، وجئنا من خارج المجموعة الشمسية التي ينتمي إليها قادتنا، الذين تفننوا في توفير الحمايات لهم ولعيالهم، وأحاطوا أنفسهم بمجاميع مسلحة، وصاروا ينتقلون بعربات مصفحة وعجلات مدرعة. فيا روح ما بعدك روح، وليذهب الشعب العراقي إلى الجحيم.
ألا تلاحظون كيف تتنعم أسرهم في ربوع المنتجعات الغربية والآسيوية، وكيف صارت شاليهات قبرص وبيروت وشرم الشيخ ومرسى مطروح هي المحطات المفضلة عند معظم قادتنا الجدد ؟.
ولا حدود لوصف المصائب والويلات التي وقعت فوق رؤوس المسيحيين. تابعوا قنوات (عشتار) و(البغدادية) لتروا بأنفسكم حجم الفاجعة، وتتأكدوا من ملامح الوجه الحقيقي للمأساة. تابعوا على شاشاتها مسلسل التشريد والتهجير والظلم والاضطهاد، ثم أبصقوا بوجوه الذين اغتصبوا النساء المسيحيات الأيزيديات وباعوا بنات الشعب العراقي في أسواق الدعارة الدينية المتفاخرة براياتها الداعشية المحرضة على العنف الطائفي لارتكاب المزيد من المجازر باسم الدين.
فضائية عراقية قليلة من بين عشرات الفضائيات العراقيات هي التي ظلت تنوح وحدها الآن مع نواح الأسر المسيحية والأيزيدية المنكوبة. بينما انصرفت الفضائيات الأخرى نحو مهاتراتها السياسية وحملاتها التسقيطية وتهريجها الإعلامي، وانصرفت فئة منها نحو إقامة حفلات الدق والرقص في بلد يعيش أبناؤه في خيام صبرائيل.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين