بونفوا الذي آمن بقدسيَّة (هنا) و(الآن)

بونفوا الذي آمن بقدسيَّة (هنا) و(الآن)
آخر تحديث:

بغداد: شبكة اخبار العراق – توفي في تموز 2016، إيف بونفوا الذي يعد أعظم شاعر فرنسي معاصر عن عمر ناهز   93 عاما. كتب ذات يوم يقول: «أحب أن أجمع بين الشعر والأمل، لا بل أطابقهما» وقد سعى طوال حياته ليجعل الأرض التي سيقوم عليها أمله واضحة. كان بونفوا فضلا عن كونه شاعرا، كاتب مقالات، وناقدا فنيا، ومترجما، وناشرا. عبر 60 عاما من الكتابة لم يتوقف عن التأكيد بأن السعادة والإنجاز يجب أن لا يجري البحث عنهما في عالم آخر، بل هنا والآن، في وضعنا الأرضي  وفي الحقائق البسيطة التي يتشاطرها كل الناس. كان مشروعه الشعري روحيا بعمق، ولكنه كان جماليا. قضى بونفوا حياته الأدبية يعارض الطريقة التي نميل بها إلى استبدال الأشياء والناس الآخرين بصورة أو مفهوم، وهو ما يحرمنا من تجربة أكثر مباشرة يسميها تجربة «الحاضر» التي يمتلك فيها المرء إدراكا زائلا لجوهرية الكينونة كلها: (ضع يا إلهي يدك على كتفنا/ واكسُ جسدنا بعودتك/ وانْهِ مزج أرواحنا بهذه النجوم/ وهذه الغابات، وصيحات الطيور هذه، وهذه الظلال، وهذه الأيام./ أسلم نفسك فينا مثلما تنشطر الثمرة/ اكتشفنا فيك. إكشف لنا/ المعنى الملغز فيما هو بسيط لا أكثر/ والذي يسقط دون نار في كلمات دون حب). ولد في (تور) لأب يعمل في معمل تجميع قاطرات وأم ممرضة ثم عملت معلمة مدرسة. أحس أنه محصور بتلك المدينة الريفية وكان فرحا بقضائه فصول الصيف في شبابه في بيت جده لأمه في جنوب فرنسا، وقد خلقت هذه اللحظات في الصيف المستعاد أبدا هاجسا طوال حياته بفكرة أن الحياة الخصبة، الحياة الحقيقية، يمكن أن توجد في مكان آخر. عرف أن هذا الميل بحاجة الى السيطرة عليه، وقد بين في سيرته الذاتية (الأرض الخلفية) 1972 كيف أن استكشافه لرسومات مثل رسومات (بيرو ديلا فرانسسكا) و(ونيكولا بوسان) ساعده على التمكن من ذلك، وبرأيه أن تصويرات العثور على النبي موسى الأخيرة مهمة بشكل خاص إذ أن الطفل الذي أنقذته ابنة فرعون من الماء يمثل القدسية التي يجب العثور عليها (هنا) و(الآن). سكن بونفوا في باريس المحتلة سنة 1944 وارتبط بالسورياليين وقائدهم بريتون لفترة قصيرة، وبحلول 1947 افترق عنهم ليتبع طريقه الخاص. طبع مجموعته الشعرية الأولى (في حركة وسكون دوف) 1953 وقد سببت حركة لا يستهان بها في الحلقات الأدبية، وكما لاحظ  جان كروسجان فإن هذا الصوت يجب الإصغاء اليه بكل اهتمام. إن (دوف) Douve، الحضور الأنثوي، يعاني موتا وانبعاثا في القصيدة، وتحولاتها المختلفة موحية بالبحث الشعري المتجدد أبدا. حدثت في الستينيات نقطة تحول في حياته ومهنته الأدبية عندما عثر هو والفنانة أميركية المولد التي أصبحت زوجته فيما بعد (لوسي فينيس) على دير مهجور في جنوب شرق فرنسا، وقد اشترياه وعاشا فيه قدر استطاعتهما ما زود بونفوا بسنواته الإبداعية الأكثر ثراء ربما، فقد كتب خلالها أكثر قصائده أهمية. ترجم بونفوا لعدد من الشعراء الإنكليز أمثال كيتس وييتس، وخصوصا شكسبير، الذي ترجم له عشر مسرحيات مع السونيتات والقصائد الطويلة، واعتبر أن ترجمة شكسبير اختبار للأسلوب الفني الفرنسي الأكثر تجريدا والأقل حسية، وقد اغتنت تجربته الشعرية الخاصة بهذا التحدي. تمت ترجمة كتب بونفوا إلى 30 لغة، بضمنها نسخ إنكليزية متعددة لمترجمين مختلفين. أنتخب الى الكوليج دو فرانس في العام 1981 وكان بهذا أول شاعر ينتخب لها منذ (بول فاليري)، ولطالما كان الحديث يدور عنه بوصفه مرشحا لجائزة نوبل، غير أنه حصل على العديد من الجوائز الأدبية، وشهادات الدكتوراه الفخرية، والتشريفات. بقي نشطا حتى قبيل وفاته ويجيب على الرسائل. كان يحب أن يتمثل بقول ييتس: (مجدي هو أني كنت أمتلك أصدقاء كهؤلاء).

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *