بغداد/ شبكة أخبار العراق- يظل سؤالُ الهوية مجالا إشكاليا لمواجهة تداعيات تخصّ صورة الآخر في الواقع وفي الوجدان، مثلما هو أفق مفتوح للحوار حول أسئلة التعايش والمشاركة، في سياق تداولية الفكر الثقافي والسياسي، أو في سياق التمثلات الانثربولوجية للوظائف الثقافية، أو للتمثّلات التي تُنتجها الجماعات التاريخية و(المتخيلة). إزاء هذا السؤال أقام بيت الحكمة العراقي ندوته العلمية حول موضوع (الثقافة العربية بين وحدة الهوية وتشظيها) في بغداد، والتي شارك فيها عدد من الأكاديميين والباحثين في المشغل السسيوثقافي، وفي سياق إضاءة ملابسات وتعقيدات محنة(الهوية) على المستوى المفاهيمي والاصطلاحي، وعلى مستوى التحديات والصراعات التي يعيشها المجتمع العراقي الآن.. أزمة المثقف العضوي في المجتمع العراقي هو المحور الذي أثارت حولها الباحثة د. ولاء مهدي الجبوي أسئلتها، بوصفها واحدة من أكثر الأزمات إثارة للجدل، بسبب تعالقات هذه الأزمة مع العطالة التي تعيشها الانتلجنسيا العراقية إزاء رعب الصراع(الهوياتي) وغلو الخطاب الطائفي والقومي، والذي أتاح بروز نوع العشوائيات لظواهر المثقف السلطوي، والمثقف الحزبي والمثقف الديني، والمثقف العصبوي، والمثقف الشعبوي وانعكاسها على مستوى صناعة الخطاب الثقافي، أو على مستوى وظيفة(المثقف العضوي) بتوصيفه الغرامشوي إزاء تحديات التشظي التي تعيشها الهويات والبنيات المجتمعية العراقية المضطربة، والمشغولة بصراعات أهلية أكثر رعبا.. وفي سياق الحديث عن (الاغتراب وتعدد الهويات الثقافية في العراق) أشار الباحث د. علي جبار عناد الى خطورة هذا المأزق بوصفه مأزقا وجوديا، والى تداعياته على مستوى تحديد ملامح (الالتزام) والإنتماء) وتشوهات المثقف العراقي إزاء سلسلة من الصراعات التي يعيشها مع السلطة، ومع اللاوعي الجماعاتي، حتى بات الاغتراب وكأنه نوع من الهروب خارج المكان، أو حتى خارج الزمن من خلال استدعاء ماهو ماضوي، أو انتاج مايشبه النصوص الصيانية لترميم الذاكرة، أو لخلق نوع من التعايش المُلفّق في إطار مجتمعٍ يعيشُ رعب التشظي، وفي سياق بنية دولتية يتعسّر فيها حيازة تحديد أطر للعمل المؤسساتي، أو لتعريف الهويات الآمنة.. ناقشت الندوة- كذلك- اشكالية الهوية في الفكر العربي من منطلق علاقة هذه الهوية بالتعايش والانفتاح على الآخر، أو مع تعددها في مجتمعات تعيش محنة(المسكوت عنه) فتحدّث د. إياد كريم الصلاحي عن إنموذج د. علي حرب في النظر الى محنة الهوية العربية، ومن خلال اشتغلاته حول(أوهام الهوية) و(أوهام النخب الثقافية) والتي استقرأ من خلالها الباحث طبيعة التعالقات الملتبسة مفهوميا وإجرائيا بين الفحص الثقافي للهوية، والفحص الأنثربولوجي، وتعقّد مسارات أية معالجة حقيقية لماهو ثقافي أو اجتماعي أو سياسي، إذ وجد في معالجة على حرب رؤية واضحة لإدراك خطورة هذه الأزمة، ورعب تحدياتها التاريخية والثقافية والتعليمية والتنموية وسط كثير من الرثاثات التي تُحيط بالوظائف النقدية للأنتجليسا العربية..
مقومات وتحديات.. التوصيف العمومي للثقافة العربية لم يعد صالحا للحديث عن هوية هذه الثقافة، ولا عن قدراتها في مواجهة ما تعانيه من تحديات، لاسيما تلك التي تمسّ علاقة هذه الثقافة بالسلطة والدين والجماعة، وعن هذا المحور تحدّث د. سدير طارق العاني مُشيرا الى ضرورة معرفة مقومات هذه الثقافة وإمكاناتها، لتكون أكثر استعدادا لمواجهة تلك التحديات، ولتفعيل وظائفها في التعاطي مع استحقاقاتها، لاسيما الأزمات التي تخصّ السلم الأهلي من جانب، والى ما يخصّ هذه الثقافة للانخراط في مشاريع ستراتيجية قادرة اعادة التأهيل الثقافي المؤسساتي والتعليمي من جانبٍ آخر، فضلا عن صياغةِ رأي عام للجمهور، يستوعب كلّ المتغيرات المفارقه التي تحدث حوله.. وحول ثنائية الرعب بين المثقف والسلطة تحدّث الباحث عباس لطيف في ورقته البحثية، مُسلّطاً الضوء على علاقة هذه الثنائية الملتبسة والغامضة وتأثيراتها على(وحدة الهوية وتشظيها) إذ سيجد المثقف نفسه أمام تاريخ طويل من الخوف، مثلما تجد السلطة العربية ذات المزاج الاستبدادي نفسها أمام وهم(الحاكمية) وأمام مركزية سيطرتها على الثروة والعنف والاشهار، وهي مجالات تجدّ في موضوع (الهوية) نزوعا لفرض نظرية الاخضاع بوصفها جزءا من فكرة(ولاية الأمر) أي أنّ الأمر سيكون أكثر تمثّلا لمايمكن تسميته ب(قوة المقدّس) تلك التي لاتؤمن بالتعدد والتنوع الهوياتي، ولا بأية ممارسة حقوقية ثقافية أو أخلاقية لصيانتها أو لتقديمها بوصفها هويات بلا سياق، وأنّ تشظيها يُفقدها شرعنة وجودها الحقوقي والديموغرافي في المجتمع..