بيردمان والواقعية

بيردمان والواقعية
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة اخبار العراق- ينتمي” بيردمان”، الذي أنتجه وأسهم في كتابة السيناريو له اليخاندروغونزاليز إيناريتو، إلى السينما المستقلة، إذ أنتج بميزانية متواضعة، لا تتعدى (18) مليون دولار، وهو رقم لا يقارن بإنتاج هوليوود الضخم، إلا أن هذا المخرج المختلف، نجح في تقديم فيلم مبهر على صعيد الموضوع والمعالجة الفائقة التقانة، مازجا بين السريالية والواقعية السحرية والتراجيديا، في لعبة بصرية تشد الأنفاس، من خلال مشاهد تبدو وكانها لقطة طويلة، فأعطى للتتابع السردي زخما وتشويقا في التعبير عن أحزان ومكابدات ريغان تومسون(مايكل كيتون) النجم الهوليوودي، الذي يعاني اغترابا وتجاهلا، بعد ان استهلكته هوليوود في دور “الرجل الطائر”، ليركن منسيا تعصف به الأزمات، يجد نفسه وحيدا، إلا من صوت قرينه (بيرد مان)،  يلتجئ إلى المسرح كطوق نجاة لاستعادة مجده المضاع، مغامرا في كل مايملك لإنتاج وإخراج وتمثيل نص مقتبس عن قصة قصيرة للكاتب والشاعر الأميركي”ريموند كارفر”، يستأجر مسرحا في برودواي في بناية يتخذ من غرفة في أحد طوابقها سكنا له، وفي حمى التحضير للافتتاح الكبير، يجري التدريبات والعروض التجريبية، تواجهه أكثر من مشكلة، إذ يتعرض ممثله الأول، الذي لايطيق أداءه المتشنج، إلى حادث، قبل العرض بأيام، ينقل على اثره إلى المستشفى. يعتقد تومسون أن قدرته الخارقة باعتباره (الرجل الطائر) هي من فعلت ذلك، وهو عقاب يستحقه،  تنقذ  ليزي (نعومي واتس) الموقف، باستدعاء صديقها مايك (ادوارد نورتون) الممثل المسرحي المشهور والنزق ايضا لأداء الدور، الذي يحفظه عن ظهر قلب، من خلال علاقته الحميمة بليزي، لينشب صراع من نوع آخر، فمايك شخصية إشكالية شرسة وعبثية، لايستجيب لملاحظات ريغان الإخراجية،  وغالبا ما يسخر من رؤيته ” التقليدية” مرتجلا مواقف وحوارات خارج السياق، فهو يستبدل الماء بالخمر، مايثير حفيظة ريغان، الذي يحاول تلافي الموقف باستبداله بكاس ماء، ينهار مايك مواجها ريغان بهستيريا، ليتسبب بهرج ومرج بين الجمهور وفريق العمل، تسدل الستارة، ينكص ريغان إلى صوت رجله الطائر، الذي يردد دون هوادة “لا خيار لك إلا معي، فالمسرح مذبح أحلامك بالخلود”  يتدخل جاك (زاك غاليفيا ناكيس ) المنتج المنفذ ومحامي ريغان، لإصلاح الموقف، لنشهد العرض الكبير، الذي ينتهي بانتحار الزوج، ويؤدي دوره ريغان بعد اكتشافه خيانة زوجته، يطلق النارعلى رأسه  من مسدس حقيقي.  فيصيب أنفه وينقل إلى المستشفى، تنجح المسرحية ويستعيد الثقة بنفسه، بعد وقوف زوجته وابنته إلى جانبه في محنته، وكعادته يكسرغونزاليس التوقعات في نهاية فيلمه، بهروب ريغان من المستشفى واختفائه، الذي نراه متجسدا في ابتسامة ابنته، التي تنظر من النافذة إلى الأرض، ولاتجد جثته، لكنها تصعد نظرها الى رحاب السماء وتبتسم.سوبرهيرو الفيلم الرابع ليخاندرو غونزاليس إيناريتو(1963) بعد روائعه، ” أموريس بيروس”، و” 21غرام”، و” بابل”، و” الجميل”، لايشبه ماسبقه، الا في فتنة سرده،  وقلق  شخصياته المأزومة، فضلا عن  جسارته في مواجهة الأسئلة الوجودية الكبرى، فالفيلم يحكي السيرة الملتبسة لصعود وأفول ريغان تومسون أحد نجوم الابطال الخارقين(سوبر هيرو)، الذي ظل أسيرا لهذا الدور، إلى حد التلبس وادعاء الخارقية، فانزوى منسيا، لايستطيع  تجاوز شخصية “الرجل الطائر”، ليعيش صراعا سايكولوجيا أقرب الى الوسواس القهري، محاولا الحصول على المجد والشهرة،  من دون جدوى، وهذا يحيلنا إلى نمط صناعة النجوم في هوليوود، إذ يتماهى الممثل مع الشخصية ذائبا فيها، لاسيما في أفلام البطل الخارق ومنها “الرجل الطائر” – الطريف، المخرج اختارمايكل كيتون، وهو بطل الوطواط الحقيقي قبل عقدين- بعدها يعشق الجمهور الشخصية، فيما يستبدل النجم، الذي يظل أسير دوره بآخرين يخطفون الأضواء .مرايا متبادلة،ست شخصيات تتواشج بخطوط سردية مع ريغان، تضيء كل واحدة منها جانبا من هذه الشخصية المحورية، بطريقة المرايا المتبادلة، لتكتمل ملامحها وأبعادها السايكولوجية، بدءا من ابنته سام (ايما تومسون) التي خرجت توا من المستشفى لمعالجتها من الإدمان، وهي ضحية استهتار الأب باسرته، تواجهه بخياته وتفريطه بها وبأمها، وتخبره ان أحدا لايهتم به ولايعرفه، إذ ليست لديه صفحة في الفيس بوك أو تويتر، في واحد من أهم المشاهد، التي تظهر قمة أداء الفنانة الشابة ايما ستون، ومرورا بمايك، الذي يعريه تماما ويكشف عن كونه ممثلا سينمائيا فاشلا، لايفقه في المسرح  شيئا،  ويستفزه بفعل غير متوقع لينال رضا الجمهور، اذ يستخدم مسدسا حقيقيا ويطلق النارعلى نفسه، وكان أداء ادورد نورتون  مكافئا لـ (مايكل كيتون)  إن لم يتفوق عليه، كذلك تجسيد نعومي واتس لدور ليزي، التي ترتبط بعلاقة حسية مع مايك، وتحلم بالظهور على مسارح برودواي بأي شكل حتى لوكان على حساب كرامتها، حيث تتعرض لاغتصاب حقيقي من زميلها الموتور مايك، وانتهاء بدور لورا ( أندريا ريسبوروج) الموزعة بين مشاعر أمومة محرومة منها وإقناع حبيبها تومسون بالزواج والإنجاب.ريميديوس الجميلة،ثمة مشاهد غرائبية عن خوارقية الرجل الطائر،لم نحس ازاءها بالتغريب في البنية السردية،تماما مثلما تحدث يوما ماركيز عن طيران الصبية  ريميديوس الجميلة، التي تنشر الملابس في رواية مائة عام من العزلة  ” لهذا الحدث اساس واقعي، فهي موجودة في مكان، ربما في روايتي “،على شاكلة المشهد الافتتاحي،اذ نرى ريغان عاريا، الا من سرواله ويجلس في الفراغ على طريقة البوذيين في التامل، كذلك ذهابه الى المسرح طائرا في السماء،ويدخل بوابته،ثم يلحق به سائق التاكسي،  ليطالبه بدفع الاجرة.سينما مستقلة،الفيلم،الذي جاء من”  الجانب الانساني مني” مثلما يردد غوانزاليس، صوره ببراعة ايمانويل لوبزكي، شاهدنا له “شجرة الحياة” و”الجاذبية” المتوجين بالاوسكار،انتقد النمط الانتاجي في هوليوود، ولامس شغاف القلب الانساني، من خلال سبر اغوار فنان مأ زوم، وتعريته للنقد الزائف لنتاج هوليوود، وهو ايضا نجاح لسينما مستقلة،اذ حصد اربع جوائز اوسكار العام2015 . 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *