تحطيم الصورة في التشكيل الحديث

تحطيم الصورة في التشكيل الحديث
آخر تحديث:

خضير الزيدي

أين دهشة الفن وجماله وصدقه ؟

لا تبدو طريقة الفن المعاصر، خالية من الدهشة والغرابة لمن يراقب عن كثب، ما يتم إنتاجه فنيا عبر العشرات من الأعمال التي تعرض في شتى الأماكن العامة،أو ما يخص بقاعات الفن.ومرد هذه الدهشة،ما تحمله طبيعة الأعمال التركيبية والفن المفاهيمي وفن الأداء من تشويش،فغالبا ما يحول بين المتلقي والعمل خط غامض من الفهم والتفسير،هذا الخط هو في الأساس موزع ضمن شبكة علاقات معقدة. ربما تكون الفكرة الداعية لانتشار هذا الفن غير كفيلة بأن تبرر وجودها.وربما يكمن السبب في ذائقة المتلقي لأنه تطبع على رؤية لوحات تخلفها أدوات الرسم الطبيعية والمعروفة للجميع، ولأن أساسيات ما يصاحب الفنان مستمد وفق رؤية ودواع لها علاقة بمفاهيم ما بعد الحداثة وتحولات الفن المستمرة، ولكن نحن في النهاية محكومون للذائقة مثلما متعطشون لفهم العمل ومبررات تجديد خطابه ومواكبته للمعاصر من الإبداعالإنساني.. فأين يكمن الخلل؟.
الفن سلعة لا تخفي دوافع استخدام أي فنان لإنجاز لوحة من هذا القبيل،لكن فكرة اللوحة وطاقتها الجمالية جعلت منها بضاعة تحدد لنا ذات يوم  ذكاء الآخرين من خلال حساسيتهم وتلقيهم  لاستقبال العمل الفني كثقافة غير مستهلكة ربما نكون بحاجة لأن نركز على حمولاتها الدلالية وتنظيم عملها ومعرفة ما الذي يصبو إليه الفنان جراء إنجاز تلك اللوحة هذا الأمر ينطبق على الرسم مثلما ينطبق على الفوتوغراف والنحت والسيراميك وحتماسنجد لهذا التفسير سببا منطقيا لنحب العمل الفني ونتذوقه..
لكن التساؤل هنا :هل ينطبق تصورنا على أعمال الفن المفاهيمي  وأعمال متخمة بأدوات ومركبات متناقضة لا نجد مشتركا لها؟.التضليل الذي يمارسه الفنان في منجزه هذا نتاج فهم خاطئ لروحية الفن وقيمته التي عرفتها الإنسانية منذ أن وجد في الكهوف وجدران المعابد ما تركه وعمل عليه ومنذ أن بقيت شواهد الفن الرافديني والمصري وباقي الفنون الإنسانية راسخة القوام حتى اليوم.فهل نكتفي بالموروث والتراث على حساب حساسية التذوق الجمالي أم علينا مواكبة كل ما هو جديد؟.
في الفن ومدارسه والتنظير إليه كل شيء قابل للمحو والسبب يقف وراءه عقل يتهم بتجريدنا من العاطفة والحس لنرتكن إلى تأمل ما نراه حتى وان بدا لنا غريبا ومشوشاومع هذا نتساءل ما سلطة ذلك العقل المخرب؟.
كيف تسنى له أن يغير مما يحيطنا من ذلك الاسترخاء النفسي حينما نقف عند الفن الذي تدربت عليه ذائقتنا وشبع منه بصرنا..هل جاء عهد جديد من قيم تصاحب الفن ومظاهر تبرهن لنا عن سلطتها وتطبيقها الفعلي لمبادئ هي في الأساس مصدر شك وريبة فيما تمضي عليه من تخريب ودمار يصاحب نسبة كبيرة من وقائعنا.أود أن أتساءل هنا ما الجميل في تجميع مخلفات بيئة معينة لتعرض بشكل واسع أمام أعيننا، وطبعا عليّ أن أذكّر بما عمل عليه مارسيل دوشامبمن تراكيب مجمعة اعتمادا على نفايات البيئة،لماذا يضع فنان ما بشكل ملفت وكبير نماذج من الأحذية ويجعلها متناسقة الأشكال تتخذ حيزا من مكان موسع لنضطر لرؤية تلك الأحذية.ما قيمة رؤية حذاء متهرئ أو جديد أمام أعيننا؟.
كتب يتم جمعها وحرقها وذر الرماد أمام المتلقي هل ثمة رسالة تبدو منطقية ومسلّم بها معرفيا لتحقيق هذا الفعل أطنان من فاكهة مرمية على ارض متروكة عرضة للتفسخ.شخص ما يستعرض في الشارع أوالقاعة بلباس داخلي قذر المنظر وبحركات لا تحمل أيةإيماءة صادقة من التعبير أو جسد أنثوي يتعرى تحت مبرر فهم نفسية الآخر؟. من خوّل الإنسان أن يتلاعب بجسده ويعريه ليكشف نوازع غيره في دقائق معينة .امرأة ورجل يتركان على وجهيهما طلاء باللون الأحمر في مشهد مقزز لا يحمل من سمات التعبيرية والحزن إلا التمثيل.أكان علينا أن نعمد لرؤية هذا الأداء بينما وقائع (التعزية) تحمل مصداقية التعبير.
ماذا عن سيل الدماء الطاهرة التي سالت على الأرض ألم تكن هي الأنبل والأكثر وضوحا لنا من الفن المزيف؟ هل ذلك التوظيف يعطي قيمة للألم الإنساني أم يسطحه؟لا أحد منا يقتنع بأن الأصباغ الحمراء تنقل ذات المشاعر التي نراها أمام شاشة التلفاز بوقائعها المؤلمة.
انه صدق الشعور الذي لا مفر منه  لماذا لا نعترف بأن الفن يعيش غربة وفراغا توازيه مقولات دعائية انبت على تشجيع التمرد وتخريب الذائقة  فينا متناسين أن انحطاط المجتمعات وسلوكيتهم كفيلة برسم أفق ضيق علينا الأخذ في الحسبان له. نعم ما من فن إنساني لا يخلو من عيوب، لكن هذه المرة في اختلاف منطق الفن والفنان معا في علاقتنا بما ننتقي من سلع جمالية طالما تكوين الفن أصبح بضاعة يصاحبها الكساد والعفنأو التسويق بأرقام خيالية،ومن يدري ما الذي تخلفه نظريات وآراء مبهمة تحت دواعي تجديد الفن من تشويش يأخذنا إلى بئر معطل من المياه الصالحة هل سنجد حينها ما يكفي لنغسل عيوننا ونرى الحقيقة التي تدفع بالفنون إلى الموت البطيء؟طبعا حتى ننصف الأشياء بحقيقتها الأمر لا ينطبق على الجميع فثمة فن يترك فينا دهشة وجمالا لصدقه ووضوح غايته..لكن السؤال أين نجده وكيف نتواصل معه؟.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *