اياد علاوي: اقتحمت الفلوجة بحثاً عن الزرقاوي وليس لفض اعتصام سلمي حاوره : احمد علي

اياد علاوي: اقتحمت الفلوجة بحثاً عن الزرقاوي وليس لفض اعتصام سلمي    حاوره : احمد علي
آخر تحديث:
شبكة أخبار العراق : في الوقت الذي يتسارع فيه خلط الأوراق بالمشهد السياسي العراقي المضطرب، على خلفية تصاعد الأحداث والمواجهات في محافظة «الأنبار»، ومدنها «السُنية» المعارضة لسياسات حكومة «نوري المالكي»، التي توصف بأنها غارقة في «الطائفية»، سافرت إلى العاصمة الأردنية لإجراء هذا الحوار مع «إياد علاوي» رئيس الحكومة الأسبق، وزعيم «القائمة العراقية»، التي تحولت إلى أطراف متناثرة، وربما متنافرة، يصعب جمعها حالياً في إطار قائمة واحدة!والمعروف أن هذه «الكتلة البرلمانية» تمكنت من الحصول على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات النيابية، التي أجريت في السابع من مارس عام 2010، بعدما حصلت على (91) مقعداً في «مجلس النواب»، لكن تدخلات إقليمية أجنبية، وتوازنات دولية، حالت دون أن يقطف محدثي ثمار «انتصاره الانتخابي»، بعدما كان يقترب مع حلفائه من المتر الأخير الذي يسبق توليه السلطة!وبعيداً عن تلك الانتخابات المثيرة للجدل، يغيب «رئيس الجمهورية» جلال الطالباني عن المشهد العراقي، بسبب ظروفه الصحية، ولا أحد في البلاد يعرف شيئاً عن حالته المرضية، ربما لغياب الشفافية، أو لتحقيق مصالح انتخابية، بينما يقف العراقيون حالياً على أبواب انتخابات برلمانية مفصلية، من المقرر إجراؤها في شهر إبريل المقبل، ومعهم يقف العراق متأهباً للاستحقاق الانتخابي الجديد، والشعب منقسم على نفسه، جراء السياسة الطائفية «المنحرفة» لحكومة نوري المالكي، الذي لا يؤمن بالديمقراطية، ولا بتداول السلطة، ولهذا يسعى للبقاء في منصبه مهما كلفه الأمر، بدعم إقليمي أجنبي، وجد في شخصية «رئيس الحكومة» نموذجاً لتحقيق مصالحه!وما من شك في أن المالكي أثبت بسياساته ومواقفه الطائفية أنه الأكثر إخلاصاً لتكريس «المشروع الطائفي» في العراق، الذي تسعى إيران لترسيخه في رحم جارتها العربيةوبسبب ذلك تتأثر العلاقات بين مختلف القوى السياسية العراقية، وتنعدم الثقة المتبادلة بينهم، إلى درجة بات يصعب فيها عقد «مؤتمر وطني» موسع، يتم الاتفاق فيه على برنامج سياسي غير طائفي، يخدم العراق العربي، ويضع الحلول لمشاكله الكثيرة، وفي مقدمتها تحقيق التوافق السُني ــ الشيعي الذي تحتاجه البلاد.وعلى هذا الأساس تتدهور العلاقات بين أصحاب «المذهبين الكبيرين»، في حين يعود تنظيم «القاعدة» لـ «لملمة» صفوفه على الساحة العراقية، وتعزيز قدراته، وتوسيع مساحاته في المناطق المنسية، التي تشهد تهميشاً حكومياً وفراغاً أمنياً وسط هذه الأجواء العراقية المحتقنة برياح الفتنة، وصلت إلى عمان، بينما تداعيات أزمة محافظة «الأنبار» تلقي بظلالها على الأخبار الواردة من العراق، مما يعكس غياب الاستقرار عن هذا البلد، بعدما تحولت هذه «المحافظة السُنية» إلى كتلة مشتعلة من «النار»، التي تحمل مأساة كبيرة لعشائرها ومواطنيها، حيث يقف أبناؤها بين مطرقة المالكي وسندان «القاعدة»، مما ينذر بعواصف لا تحمد عقباهاوالمؤسف أن رئيس الحكومة «نوري المالكي» حاول خلط الحابل ولعل ما يحسب على المالكي أنه تعامل مع المعتصمين في «الرمادي» كأنهم إرهابيون، دون أي حساب لحقوقهم، ودون مراعاة لمطالبهم المشروعة، وكأن «الرماديين» المشاركين في الاعتصام المناهض لـ «نوري» يشكلون مصدر «الإرهاب» الذي يحاربه «المالكي» ولأن الأحداث الجارية في «الأنبار» تشكل حرباً بعيدة عن «مكافحة الإرهاب»، فقد شهدت مدن المحافظة توترات سياسية واضطرابات أمنية، على خلفية اعتقال النائب السُني «أحمد العلواني» الداعم للاعتصامات المناهضة لسياسات المالكي، ومقتل شقيقه برصاص الشرطة خلال عملية الاعتقال. وبينما تلك «العاصفة الأنبارية» تضرب المحافظة «السُنية» ومدنها، وصلت إلى «العاصمة الأردنية»، التي كانت مستيقظة، فاتحة عينيها، تعيش حالة دائمة من اليقظة، تحسبا لانعكاسات الصراع السياسي المشتعل على حدودها، سواء مع العراق أو سوريا.وما من شك في أن ما جرى ويجري على الساحتين العراقية والسورية يلقي بظلاله الضاغطة على الساحة الأردنية المجاورة للبلدين المضطربين، فيشكل نوعاً من الضغط على البلد العربي الشقيق، بعدما وصل عدد اللاجئين السوريين في الأردن إلى مليون و300 ألف نازح تقريباً.محدثي الذي تولى رئاسة الحكومة العراقية، خلال المرحلة التي أعقبت تشكيل «مجلس الحكم العراقي»، وذلك بالفترة من 28 يونيو 2004 حتى السادس من إبريل عام 2005، وقد شهدت فترة حكمه القصيرة قيادته عمليات عسكرية ضد «القاعدة» في «الفلوجة»، التي اقتحمها في نوفمبر عام 2004، كما قاد حملة أخرى ضد «جيش المهدي» في «النجف»، وحاصرهم في «الروضة الحيدرية»، وتعرض على إثر ذلك لمحاولة اغتيال في أحد المساجد أدت إلى اصابته بجروح.
.. والمعروف أن «إياد هاشم علاوي الربيعي» المولود عام 1945 في حي «الأعظمية» بالعاصمة العراقية «رفيق بعثي» قديم، انتسب إلى حزب «البعث» عام 1961، وهو لم يزل بعد طالباً في المرحلة الثانوية، لكن وصول حزبه إلى السلطة عام 1968 كان بالنسبة إليه مصدر إحباط أكثر منه ظفرا بمكسب طال انتظاره، حيث تعرض إلى أكثر من محاولة اغتيال، بسبب مواقفه المعارضة لرئيس الجمهورية ونائبه، إحداها عام 1978 عندما أصيب إصابات بالغة، بقي على إثرها في المستشفى يتلقى العلاج لمدة سنة. ويمكن وصف «علاوي» الذي يتحاشى الانزلاق في مستنقع «الطائفية»، ولهذا يرمي بثقله في ساحة «الوطنية»، بأنه «ارستقراطي شعبي» باعتباره ينتمي إلى عائلة ثرية معروفة بنشاطاتها التجارية، وقد أنجبت هذه «العائلة العلاوية» ولا أقول «العلوية»، عدداً من المسؤولين والوزراء في الحكومات العراقية المتعاقبة، إبان «العهد الملكي»، من بينهم عمه وزير الصحة الأسبق عبدالأمير علاوي.والملاحظ أن محدثي «الطبيب السابق» ورئيس الحكومة العراقية الأسبق «يُؤثّرُ» على ضيفه بحسن استقباله، و«لا يثور» على من يحاول استفزازه، وهذا ما لاحظته عليه عندما كنت أطرح أسئلتي «المزعجة».
.. ورغم أنه يفضل الوصول إلى أهدافه عبر انتهاج «دبلوماسية الهدوء»، ويحاول إخفاء مقاصده حتى عن أقرب المقربين إليه، فقد نجحت في انتزاع الكثير من المعلومات التي تنشر لأول مرة في هذا الحوار، المنزوعة من جعبته، المليئة بالكثير من الأسرار .. وإليكم التفاصيل:
 
حاوره احمد علي
 
    اسمح لنا يا أبا حمزة أن نبدأ بالحدث البارز وهو أزمة الرمادي.. كيف تنظرون إلى هذه الأزمة المتدحرجة، خصوصا بعد تراجع نوري المالكي عن قراره بسحب قوات الجيش وقيامه بإرسال تعزيزات عسكرية إلى الأنبار؟ وما انعكاسات تلك الأزمة على المشهد العراقي؟
–        ما حدث في محافظة الأنبار أمر مؤسف، وهذا الامر كان متوقعا، لأنه امتداد لانتفاضة الجماهير العراقية في أغسطس 2011 عندما انطلقت المظاهرات في محافظات كثيرة بالعراق منها البصرة والناصرية والأنبار وصلاح الدين، وكانت أضخم المظاهرات في بغداد. وجوبهت هذه المظاهرات بالقمع والترويع والاعتقالات، حيث استشهد في وقتها 7 شهداء في بغداد. ومنذ ذلك الحين وحتى الآن تواصلت المظاهرات والاعتصامات في عموم المدن العراقية، ومنها اعتصام الأنبار، وما أضاف إلى اعتصام عشائر الأنبار الكرام بعدا جديدا هو تأجيج البعد الطائفي السياسي، والمسؤول عن ذلك الحكومة العراقية سواء بالخطابات والإيحاءات أو بالممارسات التي استمرت بمعاقبة عرب الأنبار، والغير موالين للحكومة، والحقيقة أن الاعتصام كان سلميا ولم تصدر عنه أي انشطة ضد الحكومة الحالية هذا من جانب، ومن جانب آخر تطل تداعيات الاحداث في سوريا على المشهد، حيث انعكست هذه التداعيات على العراق بشكل كبير، وهو ما جعل المظاهرات الحدودية مع سوريا أكثر إشكالا من غيرها. وللأسف الحكومة تركت المعتصمين لأكثر من عام من دون أن تفتح معهم أي نوع من الحوار أو مناقشة مطالبهم السلمية، أو على الأقل تطمينهم بأنه لا توجد نوايا عدائية ضدهم من قبل السلطة الحاكمة. أضف إلى ذلك تصاعد نشاط القوى المتطرفة في العراق. وتجاهلت الحكومة كل هذه الاعتبارات وأصبح هدفها فقط معتصمي الأنبار الذين فاق عددهم 300 ألف معتصم، وأدى ذلك إلى سوء معاملة الحكومة لعشائر الأنبار. وأقول لك إن هذه العشائر قد اصطفت معي منذ أن توليت المسؤولية كرئيس للوزراء في محاربة التنظيمات المتطرفة والارهابية. وحقيقة أستغرب ممن يقول إن هذه العشائر إرهابية. ومن الطبيعي أن توجد جيوب ارهابية في العراق نتيجة تصرفات الحكومة من جانب، وما حدث لمؤسسات الدولة العراقية من انهيار من جانب آخر. ولكن هذه الجيوب ليست موجودة في الأنبار فقط، وإنما في كل مكان من العراق، وخصوصا تنظيم القاعدة. ولكن المناطق الحدودية لسوريا أصابها السوء أكثر من غيرها باعتبار تدفق القوى المتطرفة من الداخل السوري إلى هذه المناطق، حيث بدأت تتكون تنظيمات جديدة ومنها تنظيم داعش، وتنظيم دولة العراق والشام الاسلامي، وغيرها من التنظيمات المتطرفة.
 
    معالي الرئيس.. هل يمكن اختصار أزمة الأنبار على أنها انعكاس للاحتقان الطائفي بين السنة والشيعة في العراق بسبب تهميش حكومة المالكي للمكون السني الذي كان في يوم من الأيام يحكم البلاد؟
– حقيقة الأمر أن تلك الطائفة ما كانت تحكم البلاد، حيث إن القوى القومية، وأيضا القوى الديكتاتورية هي التي كانت تحكم العراق. وبلادنا لم يحكم يوما باسم الطائفة السنية، وإنما الديكتاتورية. ويفترض الآن ألا يكون الحكم باسم الشيعة لأننا كلنا عراقيون سواء السني أو الشيعي أو التركماني او الكردي. وهذا الموضوع جاء بقوة من خلال طريقين الأول منه هو الاحتلال وما جرى في العراق، وهذه النقطة كانت من نقاط التوتر بيني وبين الولايات المتحدة، حيث إنني انتقدت تفكيك الدولة العراقية، وقلت للأميركيين «أنتم لم تسقطوا نظاما وإنما دولة كاملة». والأمر الثاني ما حدث من اجتثاث لحزب البعث العراقي، وهذا حرم العراق من كوادر عديدة في مؤسسات الدولة. وفيما يخص الطائفية السياسية كتبت مقالات في الصحف الأميركية مفادها أن لكل إنسان هويته ومعتقده الديني، ولكن هذه الهوية يجب ألا تكون مدعاة للتمييز بين المواطنين. والواقع يقول إنه لا توجد مشكلة بين السنة والشيعة، وإنما هناك مشكلات افتعلت وهي مشكلات سياسية، وذلك لتهميش جزء من المجتمع والابقاء على جزء آخر، فالقبيلة الواحدة في العراق نصفها سني ونصفها الآخر شيعي. وللأسف اعتمدت الطائفية السياسية كسياسة ونهج، وأنا قد حذرت منها مرارا، ورفضت تقسيم العراق على أساس سني وشيعي. وكان هدفي الأوحد البحث عن تكوين دولة المواطنة التي تساوي بين الجميع. والبعد السياسي للطائفية هدفه ضرب قوى وشرائح اجتماعية وعزلها عن العملية السياسية. وهذه الاخيرة مشكلة كبيرة في العراق، حيث إن العملية السياسية الآن تقوم على الاقصاء والتهميش. وأظن أن الامور لن تستقر طالما بقيت العملية بهذا الشكل.
 
    استكمالا لنفس سؤالي السابق.. وصف المالكي حملته العسكرية في الأنبار بأنها «مقدسة».. فما موقفكم من أولئك الذين يعتبرونها معركة فاصلة بين أنصار الحسين وأحفاد يزيد؟
–  كما قلت هناك تصعيد طائفي بالكلام والتصرفات، وما ذكرته فعلا أحد الشواهد على هذا التصعيد الطائفي. والمالكي لم يكن في حاجة إلى قول هذا الكلام، لأنه يؤدي الى تمزيق اللحمة العراقية.
 
    وأين القدسية في معركة المالكي ضد المعتصمين في الأنبار؟
– لا توجد قدسية. وهذا الكلام يقع ضمن التصعيد الطائفي السياسي.
 
    وهل تتفقون مع كلام المالكي بأن ساحة الاعتصام السني في الرمادي تؤوي عناصر لتنظيم القاعدة؟
–  لو افترضنا أنه حديث صحيح، فإن هناك أمرين، الأول هو اللجوء لتفتيش أماكن ومواقع المعتصمين في الأنبار، وإذا ما وجدت أسلحة يمكن التعامل مع المعتصمين بالقوانين. والأمر الثاني عندما اقتحمت القوات الحكومية أماكن الاعتصام، أين تلك الأسلحة التي يتحدث عنها المالكي. والحقيقة أنهم لم يجدوا شيئا من تلك الاسلحة المزعومة. وما جرى يدحض ما يقوله المالكي. والذين كانوا في الاعتصام نعرفهم جميعا، هم أجاويد وعشائر وضباط سابقون، وكلهم مسالمون، ورفعوا مطالبهم بطريقة سلمية، وهذه المطالب ليس بها أمر تعجيزي للحكومة.
 
    عفوا معالي الرئيس وبعيدا عن التعجيز.. يرى كثيرون بأن صفات مشتركة تجمعك بنوري المالكي الذي تنتقده، وخصوصا فيما يتعلق باللجوء إلى الخيار العسكري في اقتحام الفلوجة في نوفمبر عام 2004 بحوالي 20 ألف جندي دفع ثمنها ضحايا أبرياء تحت ذريعة مكافحة الإرهاب..كيف ترد؟
–      هذا «خوش» سؤال.. أنا لم اقتحم الفلوجة، وإنما ذهبت للبحث عن أبي مصعب الزرقاوي الذي فتك بأهل الفلوجة. وذهبت القوات هناك بعد أن اجتمعت بالمقاومة العراقية الوطنية وليست الارهابية، وأيضا بالعشائر، وأخبرتهم أن هذا الزرقاوي لا يصح أن يوجد بين أهل الفلوجة، وخيرتهم بين تسليم الزرقاوي أو تدخل قوات الأمن للتعامل مع الارهابيين بقيادة الزرقاوي، وأخبرتهم أيضا أن هناك قوى دولية متربصة بالفلوجة، وقد تؤذيكم، وأنا لن أسمح بهذا الأمر أن يحدث. وهذا الكلام يعرفه الجميع في الفلوجة، ولهذا حصلت على أعلى الأصوات هناك في الانتخابات. وبعد دخول الفلوجة قمت بتعمير كل طابق أو بناية تهدمت. وهذا فرق كبير بيني وبين المالكي الذي اقتحم ساحة اعتصام سلمية.
 
    استنادا إلى قولك هل مازالت لك شعبية هناك في مدن الأنبار وتحديدا الفلوجة؟
–  نعم..الانتخابات الأخيرة في عام 2010 أثبتت ذلك. والكل يعرف أنني تخلصت من الزرقاوي ومعه ألفا شخص كانوا يقومون بعمليات إرهابية في بغداد.
 
    ولكن عفوا.. في إطار حديثنا عن اقتحامك الفلوجة هل ذهبت بعناصر عراقية أم استعنت بقوات أميركية كما يشاع؟
– أبدا..لم أستعن بجندي أميركي واحد. العملية كانت عراقية تماما بجهود قوات الأمن العراقي. وكذلك لم أستعن بأي دعم لوجستي من قبل القوات الأميركية. وفي تلك الفترة ذهبت إلى هناك، ووجدت أن الجنود العراقيين ليس لديهم أسلحة ولا ملابس عسكرية، ووضعهم المعنوي كذلك سيىء، فقمت بالاتصال بالرئيس الأميركي آنذاك بوش الابن، وأيضا رئيس وزراء بريطانيا توني بلير حتى يعطونا أسلحة، ولكنهم لم يفعلوا، فاتجهت إلى ملك الاردن عبدالله الثاني، وحسني مبارك، ومحمد بن زايد في الامارات، فأعطانا مبارك 50 مدرعة، والملك عبدالله الثاني مدرعة، وقام الشيخ محمد بن زايد بفتح مخازن السلاح لنا، وقال خذوا ما تحتاجونه. وهذا الموقف في منتهى الشهامة.
 
    إذن بماذا تفسر تحفظ الولايات المتحدة على تقديم السلاح لك في ذلك الوقت في حين أنها تغدق على المالكي بجميع أنواع الأسلحة الآن؟
–        في الواقع..أنا تسلمت الحكم، بعد انهيار نظام صدام حسين، ووقتها كنت أتمتع بالسلطة التشريعية والتنفيذية معا حسب قانون إدارة الدولة. ومنذ ذلك الوقت انتقدت الولايات المتحدة الأميركية في مقال بنيويورك تايمز بسبب تفكيك الجيش العراقي، وبعد ذلك قال لي الأميركيون إنني كنت على صواب في هذا الانتقاد، ووافقوا على إعادة بناء الجيش العراقي مجددا. وقمت فعلا باستكمال بناء الجيش، وكان بإمكانات مالية ضعيفة. وقمنا بعمل ما يسمى بـ«مغاوير الداخلية» وهي قوات عسكرية مسلحة، لأنني مقتنع بأن جيش العراق العظيم ليس جيش صدام أو المالكي وإنما جيش العراقيين، فمن غير المعقول أن نحمله أخطاء الساسة.
 
    طالما تحدثنا عن الجيش العراقي العظيم.. كيف تعلق على إقحام الجيش في خضم عملية الاقصاء السياسي التي يمارسها المالكي؟
– كما قلت لك.. أنا من أرجع الجيش العراقي، وبعض الجهات داخل أميركا امتعضت من ذلك، وقالوا إنني سوف أبني جيشا عربيا قويا في العراق من جديد. وعندما وضعنا الدستور صممنا على أن يكون الجيش وطنيا محترفا بعيدا عن السياسة الداخلية للعراق. وبالتالي ما فعله المالكي في الانبار هو إقحام الجيش في مواجهة مع الشعب العراقي. وأنا لا أحمل الجيش المسؤولية، وهذا التصرف الذي قام به المالكي غير دستوري، وهذا ما ترتب عليه تذمر الكثيرين من الضباط داخل الجيش لأن ذلك يعد تدخلا في الشأن السياسي الداخلي مثلما كان يحدث أيام صدام.
 
    أيضا في إطار حديثنا عن أزمة الأنبار.. وجهت دعوة الأسبوع الماضي للوزراء من القائمة العراقية للاستقالة من الحكومة الحالية.. ما صدى هذه الدعوة؟ ومن ترجمها من الوزراء إلى واقع؟
–  أنا وجهت هذه الدعوة للوزراء كافة سواء من القائمة العراقية أو غيرها باستثناء وزراء دولة القانون، وطلبت منهم أن يفكروا في الاستقالة، ولكن على ما يبدو بأن تلك الدعوة يتيمة ولم تتحقق لأن الوزراء في العراق أصبحوا 3 أنواع، الأول وزير صاحب قرار، والثاني يبدي رأيه في القرار، والثالث لا يعرف شيئا عن القرار.
 
    ألم يلتقط أحد من الوزراء دعوتك للاستقالة من الحكومة؟
– أبدا. ولا وزير واحد ترجم هذه الدعوة إلى واقع. وهذا أمر مذهل. وكما قلت لهم سابقا بأنهم يمثلون أنفسهم وليس الشعب العراقي. وأبلغتهم أن القائمة العراقية في حل منهم.
 
    ولكن هناك من يقول إن هذه الدعوة التي أطلقتها مجرد كلام تشغل به الرأي العام لأنك لا تستطيع التأثير على وزراء القائمة العراقية في الحكومة؟
– أولا أنا طالبت جميع الوزراء التقدم باستقالاتهم، وليس وزراء القائمة العراقية فقط. وثانيا الوزير الوحيد الذي رفض تصرفات المالكي ورفض الاستمرار في العمل معه هو من كتلة الوفاق، ولكن الوزراء الآخرين كلهم استمروا، وانقطعت علاقتنا بهم. وهذا ليس من باب الدعاية. وفي العام 2011 أعلنت صراحة بأنه طالما تنصل المالكي من كل الاتفاقيات السياسية فيما يتعلق بالشراكة الوطنية، فلا يشرفني أن أعمل مع هذه الحكومة.
 
    وكيف تردون معالي الرئيس على من يرى بأن سياسة المقاطعة وتعليق العضوية سواء في الحكومة أو البرلمان تعكس عدم النضج السياسي في إدارة الأزمة والتعامل معها بواقعية؟
– استقالة الوزراء شيء، والنواب شيء آخر. النائب ليس له في الاستقالة، ويمكنه أن يقاطع الجلسات لأنه ممثل الشعب، وأدعو النواب دائما أن يقفوا مع الجماهير وليس الابتعاد والاستقالة والاستسلام، ولكن الوزير يمكنه أن يستقيل باعتباره الجهة التنفيذية.
 
    أعلنتم عن إرسال وفد للتفاوض مع الحكومة حول أزمة الأنبار وأن هذا الوفد يحمل عددا من المطالب للمالكي من بينها إطلاق سراح النائب الداعم للاعتصامات أحمد العلواني.. هل يمكن القول إن الوفد قد فشل؟
– لا لم يفشل لأن الوفد لم يحصل على موعد حتى الآن. ومهمة الوفد كانت حول سحب القوات العسكرية من قصبات المدن، وأيضا الدخول في تفاوض مباشر مع المعتصمين في الأنبار، وحلحلة الأمور فيما يتعلق بمطالبهم، وإطلاق سراح المعتقلين ووقف عمليات الاعتقال والتعذيب. وأيضا إطلاق سراح أحمد العلواني، وإحالة قضيته إلى مجلس النواب حتى يفصل في أمره. ولكن الوفد المكون من عبدالكريم السامرائي، الشيخ حسن شويرد، وعبدالله العجيلي، لم يحصل على أي رد من المالكي.
 
    بعيدا عن هذه الأزمة ننتقل إلى محور آخر.. معالي الرئيس حذرتم بمناسبة أعياد الميلاد من مخاطر ما يتعرض له المسيحيون في العراق من اضطهاد وتهميش.. فمن هي الجهة التي تقوم باضطهادهم واستهدافهم؟
–        المسيحيون في العراق لعبوا دورا مهما في تاريخ البلاد.. وهم من سكان العراق الأصليين، ولعبوا دورا مهما في مجالات التربية والتعليم، والاقتصاد، والتنمية بشكل عام. وهم أناس مسالمون، وليست لديهم برامج أو أجندات. وللأسف نظام الاسلام السياسي الذي بني في العراق، والذي هو طائفي سياسي هو السبب في تهميش الأقليات الأخرى.
 
    يا أبا حمزة بعيدا عن الطائفية اسمح لنا أن ننتقل إلى محور آخر في الحوار.. مرت قبل أيام ذكرى إعدام صدام حسين.. ألا ترون أن غيابه عن المشهد العراقي أحدث فراغا لم يستطع أحد منكم أن يملأه؟
 يوجد مثل في العراق يقول «ذاك الغيم أحدث هذا المطر». وأقول لك إنني كنت عضوا في حزب البعث، وقد واجهت مشاكل عديدة مع صدام، وتعرضت لمحاولة اغتيال وظللت في المستشفى لأكثر من عام. وما حدث في العراق احتلال عسكري، ونحن كنا مع تغيير النظام ولكن من الداخل، وليس عبر التدخل العسكري بهذه الصورة. وقد حذرت من الحرب ومن الفراغ الذي سيحدث جراء ذلك، وللأسف لم تكن هناك رؤية أميركية لمرحلة ما بعد صدام.
 
    ولكن عفوا.. لو لم يسقط النظام بهذه الطريقة الأميركية لما وصلت أنت لرئاسة الحكومة؟
–  كما قلت لك للتو بأنني كنت بعثيا. وكان تفكيري الأساسي هو كيفية خدمة الشعب العراقي، وليس الطمع في السلطة، وكان بإمكاني أن أصبح وزيرا أو مسؤولا أيام صدام، ولكني رفضت ذلك، وبعد سقوط النظام لم أطرح نفسي رئيسا للوزراء على الإطلاق، وكان في مخيلة الأميركيين أن أصبح وزيرا للدفاع، ولكني قلت لجورج تينيت، ورايس «أتركوا الأمر للعراقيين أن يحددوا مصيرهم»، ثم تركتهم وأنا غاضب ولم أسلم عليهم في نهاية المقابلة، وظل جورج تينيت يجري خلفي على السلالم. وبعد ذلك اختارني مجلس الحكم بالاجماع لرئاسة الوزراء. باختصار لم تعيني أميركا.
 
    ولكن كثيرا من العراقيين ما زالوا يعتقدون أن العراق بعد صدام أصبح دولة تابعة لإيران.. هل تتفق معهم في ذلك؟
– المستفيد الأكبر من سقوط نظام صدام هي إيران. وأصبحت لإيران اليد الطولى في العراق. والولايات المتحدة رفضت الاستماع إلى العراقيين، وانتهى الأمر بالاحتلال، وأصبحت طهران صاحبة القرار السياسي في العراق، ثم في لبنان، ثم في سوريا وغيرها.
 
    إلى أي مدى ترون بأن حكومة المالكي ليست حرة في اتخاذ قرارها وأنها تتلقى الأوامر من طهران؟
– لا أدري إن كان المالكي يتلقى الأوامر من طهران أم لا، فهذا الموضوع لا يهمني. ولكن المالكي جاء بدعم إيراني وأميركي. وفي 2010 نحن من فزنا بالانتخابات، ومع ذلك وقفت إيران ضدي، وتجاوبت معهم الولايات المتحدة.
 
    في موضوع آخر.. وبعيدا عن الويلات المتحدة.. عفوا أقصد الولايات المتحدة، ألا تعتقد أن صيغة المحاصصة الطائفية بالنسبة للحكم في العراق منحت الاكراد نظاما فيدراليا تحول بالتدريج إلى دولة داخل الدولة العراقية وكأنها نواة لتقسيم العراق؟
– المحاصصة الطائفية ليست المسؤولة عن الوضع الكردي الآن في العراق، والذي أحدث المحاصصة الطائفية هو انعدام الدولة بعد الاحتلال عام 2003 . واستمر سقوط الدولة، وهو ما ترتب عليه ظهور هذه الاتجاهات الناتجة عن ضعف العلاقة بين المركز والأطراف. وأدت المحاصصة الطائفية إلى استمرار غياب الدولة العراقية. والحكومة الحالية تمارس الطائفية السياسية.
 
    ولكن ألا يثير حفيظتكم أن تقوم تركيا بالتعامل المباشر مع إقليم كردستان بعيدا عن الحكومة المركزية؟
– مسعود البرزاني صديقي وأنا أعرفه جيدا، وكنا معا في المعارضة العراقية، ونتفق ونختلف بكل صراحة، وتربطني به علاقة طيبة منذ سنوات. ومسعود البرزاني دائما ما يتحدث عن ضرورة وجود حل وطني للعراق وليس حل كردي فقط. ولكن الحادث الآن في العراق هو الحل الطائفي. والغريب أن هناك من طالب بمحافظة مسيحية بجوار الموصل.
 
    وماذا لو حظي هذا المشروع بمؤازرة العالم الغربي المسيحي.. ما هو رد فعلكم؟
– العراق مغلوب على أمره الآن، ولا توجد سلطة، ولا توجد دولة بمعنى الدولة، وما نستطيع أن ننجزه أن نسعى للدفاع عن وحدة العراق وشعبه. ولهذا فأنا ضد الطائفية السياسية أيا كان نوعها. وأضرب لك مثالا.. قبل 10 سنوات لا أحد يمكن أن يصدق أن رئيسا من أصل إفريقي سوف يحكم الولايات المتحدة، وها هو أوباما الآن يحكم. ونحن نريد أن نصل الى هذه النتيجة وهي أن أي مواطن من حقه أن يصبح رئيسا للدولة.
    وقبل 10 أو 15 سنة لا أحد يمكن أن يصدق أن مواطنا كرديا يمكنه أن يصبح رئيسا للعراق.. وعلى ذكر ذلك.. كيف تنظرون إلى وضع الرئيس جلال الطالباني الغائب عن المشهد بسبب ظروفه الصحية؟ وهل ترون أنه حان الوقت لاختيار رئيس بديل؟
– والله ما يجري مع قصة جلال الطالباني لم تحدث في التاريخ الإنساني منذ أن تأسست الحكومات. فلأول مرة في تاريخ الدول المستقرة وغير المستقرة لا يوجد رئيس للجمهورية لمدة سنة. ولا أحد في العراق يعرف أين الرئيس جلال الطالباني. لا أحد يعرف إن كان مريضا أم متعافى. ومن غير المعقول أن يفقد العراق رئيسه.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *