تداعيات أجتياح سجن ابو غريب في بغداد
“الدولة ألاسلامية في العراق والشام ” والاستراتيجية الامنية
شهدت بغداد يوم 20 يوليو 2013 سلسلة عمليات ارهابية متفرقة واعلنت ألحكومة ان 500 سجين على الاقل فروا من سجني التاجي وابو غريب في بغداد اللذين تعرضا لهجمات مسلحة . العملية ادت الى مقتل وإصابة 68 شخصاً من حراس السجن اثناء الهجوم المسلح الذي استهدف سجني أبو غريب والتاجي . يأتي ذلك بينما تستمر بغداد وغيرها من مدن العراق في مواجهة موجات عنف دامية .
أن عملية اجتياح سجني ابو غريب والتاجي مساء 21 يوليو 2013 والتي اطلق عليها من قبل تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام ” اسم غزوة ” قهر الطواغيت ” ، وجائت أستجابة لنداء زعيم التنظيم ابو بكر البغدادي عام 2013 ضمن غزوات “هدم الاسوار” وهي اشارة واضحة الى هدم السجون والمعتقلات واخراج مقاتليهم ، وكان سجن تكريت قد شهد عملية مماثلة عام 2013 .
تم الاعلان عن العملية على موقع الفرقان الخاص بالدولة الاسلامية يوم 23 يوليو 2013 أن أختصار الفترة الزمنية بين العملية واعلانها على الموقع الجهادي بهذه السرعة يعكس درجة الثقة والمرونة التي يتمتع بها التنظيم . وتعتبر ألعملية هي الاوسع في تاريخ تنظيم القاعدة في العراق ( التوحيد والجهاد) وكذلك “الدولة الاسلامية “،لعدة اسباب ابرزها حجم العملية كونها شملت سجني في توقيت واحد رغم المسافة بينهما وثانيا بالامكانيات الاستخبارية والعسكرية التي تمتلكها وثالثا نوع الهدف كون ابو غريب يعتبر هدف محصن ويضم سجناء من الخط الاول لمقاتلي التنظيم والبعض منهم محكوم بالاعدام .
التخطيط للعملية
ـ اعترف التنظيم في بيانه على موقعه ( الفرقان ) بانه كان يخطط للعملية منذ أشهر ،أصدارات التنظيم وبياناته اوضحت بان جزء من هذه الخطة كان تسليح عدد من السجناء داخل السجن بالاسلحة والقنابل والاحزمة الناسفة.
ـ اشغال وحدات الجيش المتواجدة بمنطقة ابو غريب والتاجي القريبة من السجن لاستبعادها تعبويا ـ لوجستيا من تقديم اي عون الى حماية السجن في الداخل.
ـ السيطرة على الطريق الرئيس العام المؤدي الى السجن اي طريق بغداد ابو غريب وطريق بغداد الموصل العام وقتل افراد نقاط التفتيش .
ـ قطع الجسور المؤدية للسجن.
ـ ان الهجوم بدأ الساعة 21 يوم 21 يوليو 2013 على خلاف توقيت العمليات السابقة ، استخدمت فيه عدد من السيارات المفخخة وتسعة انتحاريين ومئات من قذائف الهاون والصواريخ، بالتزامن مع حصول أحداث شغب واشعال حرائق داخل قاعات السجن من قبل بعض النزلاء، صاحبها انقطاع مفاجئ للتيار الكهربائي.
ـ بدأ الهجوم بقذائف هاون على السجن وعلى أبراج المراقبة لغرض الارباك.
ـ ارسال تسع انتحاريين ” الانغماسيين” وفق تسمية الدولة الاسلامية من أجل احداث ثغرة في السجن للسماح بعد ذلك بالمقاتليين بالنفوذ .
ـ اطفاء التيار الكهربائي
ـ الهجوم بسيارات مفخخة على مبنى السجن لغرض احداث اوسع مساحة من الحرائق واثارة الرعب في نفوس رجال الحماية.
ـ هجوم من قبل مقاتلي التنظيم الى داخل السجن مع انتحاريين لتمشيط السجن وفتح الابواب.
النتائج
ـ تحرير اكثر من 500 معتقل ومقتل 120 شخص رغم ان احصائيات الحكومة اوردة مقتل 25 من رجال الشرطة وحماية السجن . رغم ان الاحصائيات في هذه الحادثة تباينت وتضاربت اكثر من غيرها. وقال النائب حاكم الزاملي انه بحدود 500 معتقل فروا من سجن ابو غريب ، بينما قال النائب شوان طه في بيان نشر على موقع حزب الاتحاد الوطني ان بين 500 و1000 شخص فروا من السجنين.
ردود فعل الحكومة والبرلمان
وكانت قوات الأمن قد فرضت الاثنين حظراً على التجوال في مناطق أبو غريب والتاجي والرضوانية والمناطق المحيطة بمطار بغداد على خلفية أحداث السجن، شمل إغلاق المحال التجارية والمؤسسات الحكومية والدوائر الخدمية، وباشرت بحملة كبيرة للبحث عن السجناء الهاربين من سجني التاجي وأبو غريب . هذه العمليات عملت مضايقات للمواطن العراقي كونها لاتجدي نفعا.
وأعلنت وزارة الداخلية ان القوات الامنية في قيادة عمليات بغداد وبمساندة من طيران الجيش تمكنت من احباط هجوم مسلح شنه مسلحون مجهولون استهدف بنايتي سجني التاجي وابو غريب . أما وزير العدل حسن الشمري فقد امر بتشكيل لجان تحقيقية لمعرفة حقيقة ما جرى، وتشكيل لجان لإحصاء الاضرار والخسائر الناجمة عن اعمال الشغب والهجمات، وإسناد إدارتي السجنين بقوات من دائرة الاصلاح العراقية والاجهزة الامنية. واعلنت الحكومة تشكيلها خلية عمل للتحقيق بالحادثة برئاسة رئيس الحكومة.
“الدولة ألاسلامية في العراق والشام ” والاستراتيجية الامنية
ان القوات الأمنية وحتى المسؤولين في الدولة قد يخشون أن يفضحوا أو يعلنوا عن الوقائع إذ أن أعمال العنف هذه هي ليست فقط لتنظيم القاعدة . العمليات الانتحارية والأحزمة الناسفة هي للقاعدة ولكن عمليات العبوات اللاصقة في المقاهي وعمليات كواتم الصوت قد تكون بأجندة سياسية وأجندة خارجية . أن حادثة سجني ابو غريب والتاجي تعتبر من اوسع العمليات التي قامت بها القاعدة في العراق وتحديدا “الدولة الاسلامية في العراق والشام ” . هذه العملية تبرهن على الذراع الطويلة الى التنظيم والتدريب والمرونة التي يتمتع بها . اكد تنظيم “الدولة الاسلامية ” في بيانه على الجهد الامني الاستخباري الذي بفضله استطاع تنفيذ هذه العملية ، وأعتراف بالجهد الاستخباري والامني “للدولة ألاسلامية ” اكثر من الجهد العسكري يعكس استراتيجية الامن والاستخبار لدى “الدولة الاسلامية ” اكثر من تنظيم القاعدة المركزي او فرع العراق ، وهنا يجدر الاشارة الى ان “الدولة ألاسلامية ” هي ليست فرع القاعدة بالعراق كما هو متداول ، بل هو تنظيم منفصل يعمل تحت مظلة وراية القاعدة . أن تنظيم “الدولة الاسلامية “زاد على التنظيم المركزي وتنظيمات اليمن والجزيرة العربية بقدرته وشراسته الاستخبارية اكثر من العسكرية . المعلومات تفيد بان مقاتلي التنظيم يحصلون على تدريب وتعليم اكاديمي على خلاف باقي التنظيمات التي تعمل على الولاء الايدلوجي كماهو في افغانستان واليمن والصومال ، اي لدى التنظيم استراتيجية أمنية واضحة عكس الدولة العراقية . التنظيم في العراق اثبت قدرته الامنية والعسكرية من خلال تنفيذ عملياته الواسعة ، رغم ان عام 2013 شهدت عمليات ضد اهداف رخوة استهدفت المدنيين والاماكن العامة .
العملية تمت بتجنييد مصادر من داخل السجن بل تم تجنيد مسؤوليين على مستوى عال في الداخلية العراقية والعدل المعنية بادارة السجن والحماية وكانت قبل ذلك عدد من حملات التنقلات تمت بين المسؤوليين عن ادارة السجون . التجارب التي سبقت سجن ابو غريب والتاجي كشفت عن تورط مسؤوليين كبار وقادة ميدانيين ومسؤوليين في الحكومة وسياسيين من الخط الاول ومن دائرة علاقات رئيس الحكومة مقابل استلام مبالغ ضخمة . الكثير من السياسيين في العراق كونوا ثرواتهم من اخراج السجناء من المعتقلات مقابل الرشوة .
التداعيات
ان ابرز تداعيات الحادث هو احتمالات تصاعد عمليات ألتنظيم في الايام القليلة القادمة ، هذه العملية عملت على تقوية معنويات المقاتليين وستكون دافع لكسب مقاتليين جدد اكثر من السابق . وممكن ان تكون رسالة الى التنظيمات ” الجهادية ” الاخرة لمبايعة ” الدولة ألاسلامية ” واعادة اعداد من “الصحوات الاسلامية ” بعد ان استعرض التنظيم قوته ضد الحكومة بهذه الطريقة الاستعراضية .
كانت ردود فعل المسؤوليين العراقيين تحمل الصدمة في نوعية العملية وقدرتها وامكانيتها لتكون امكانية التنظيم اقوى من امكانية الحكومة ، وهي تداعيات خطيرة عندما تكون الحكومة عاجزة عن مواجهة تنظيم بهذا الحجم رغم امكانية الحكومة والدولة . المواطن العراقي يشعر بالاحباط والياس اكثر بعد هذه العملية نتيجة فقدان ثقته بالحكومة .
بعض التحليلات ذكرت بان الامن في العراق يشهد تراجعا لكن الحقيقة انه لم يشهد تقدما من قبل ، فهو يعاني من الفشل والغياب الكامل اكثر من التراجع . التسييس والفساد يجمع عليهما المراقبون وراء الفشل الامني وانهيار الدولة العراقية . أن تخطيط التنظيم للعملية منذ اشهر دون كشفها من قبل الامن العراقي يعني كارثة امنية . في المفهوم الامني والاستخباري مطاولة التخطيط لاي عملية يكون عرضة للاختراق أو الكشف اي ان مطاولة التنظيم لاشهر عديدة دون كشفها من قبل الامن والاستخبارات العراقية يعني غياب وفشل كامل لنظام الاستخبارات والمعلومات في العراق . هنالك دول ليست بمستوى العراق استطاعت اختراق تنظيم القاعدة والحصول على تفاصيل واهداف عملهم من الداخل ،قبل تنفيذ العمليات وان كانت محدودة او في دائرة مغلقة ، فكيف لا تتوفر للامن العراقي معلومات عن مثل هذه العملية التي وصلت الى تسليح السجناء من الداخل اي ادخال الاسلحة والاحزمة الناسفة والقنابل؟
أن الحكومة ورئيسها ـ كونه يمسك بادفاع والامن ـ والبرلمان يتحملا المسؤولية الكاملة ومايحتاجه العراق حاليا هو الخروج بحكومة انقاذ وطني تكفل خروج العراق من دوامة الفوضى والعنف بعيدا عن المطالب الطائفية والفئوية والمناطقية.