تساؤلات عن صعود الرواية العراقية

تساؤلات عن صعود الرواية العراقية
آخر تحديث:

صلاح حسن السيلاوي

لاشك في أن الرواية العراقية تشهد صعودا واضحا على مستويين هما الكم والنوع، ودليل ذلك هو ما حصلت عليه من حضور على مستوى الإصدارات وحصدها للجوائز، وبذلك صارت في مقدمة الأجناس الادبية، ما رأي أهل الرواية بذلك، وما أهمية تطور منجزها وتجاوزها لحدود التلقي العراقي باتجاه العالم العربي ؟ وماذا عن عمق الموضوعات التي تناولتها في كشف ومعالجة المستور من مشكلات الحياة العراقية ثم ألا يمكن لصعود الرواية أن يحدث تغييرا في بنية المشهد الثقافي في البلاد؟ عن كل ذلك بحثنا مع نخبة متميزة من روائيينا .

ميزان حكم الرواية الروائي حامد فاضل مر برأيه على الرواية العراقية منذ اربعينيات  القرن المنصرم حتى المرحلة الحالية مشيرا إلى انها في نهاية الأربعينيات، وفي مستهل الخمسينيات. كانت متعثرة بأذيال ثوب التقليد الساذج، تخرج على قرائها من محراب الرواية المصرية، وهي متلفعة بشال الواقعية الانتقادية.. وفي ستينيات القرن وسبعينياته، لم يتعد الروائيون العراقيون المقلدون للرواية العالمية أصابع اليد الواحدة. باستثناء بعض الأسماء المائزة طبعاً، وأضاف فاضل قائلا:  في مستهل الثمانينيات انفجر بركان الحروب المتناسلة، وازداد عدد الروايات التي يكتبها غير العارفين بفن الرواية من المتسابقين اللاهثين نحو خط الفوز بجوائز أدب المعركة، ثم تحولت معظم تلك الروايات إلى أكياس ورقية يستعملها الباعة في السوق.. وقد أدى التغيير الدراماتيكي بعد العام 2003،  إلى تباين في ميزان الحكم على الرواية، بعد ظهور عدد كبير من الأسماء غير المعروفة، وكم هائل من الروايات المرتبكة أو الركيكة، التي هاجمت أقلام النقاد مضامينها مهاجمة الجراد للحقول، فتركتها هشيماً على رصيف شارع المتنبي.. لكني أجزم أن الروايات القليلة ذات المضامين الجيدة المائزة، هي التي سترجح كفة ميزان الرواية العراقية المائزة.

وقفة نقدية جادة الروائي احمد الجنديل أشار إلى أن المشهد الثقافي العراقي يشهد حالة من الازدهار، وأن الرواية فرضت وجودها على المشهد العربي من خلال نصوص جديرة بالتقدير، فكثير من الروايات كانت تتمتع بكل عناصر النجاح، والروائي وهو يتقدم ليحصد الجوائز خير دليل على ان المشهد الروائي العراقي بخير . الحرية المتاحة للاديب العراقي جعلته يتألق في مجال الابداع، وفي فترة وجيزة خرج لنا العشرات من الروائيين وهم يحملون أقلامهم المترعة بكل صنوف العافية، نحتاج الى وقفة نقدية جادة نستطيع من خلالها تشخيص مواطن الضعف والقوة في مسيرة الرواية العراقية لكي تأخذ موقعها المتقدم. وأضاف الجنديل بقوله: ان أهم ما يواجه المشهد الروائي هو عدم قدرته على تسويق نفسه الى العالم، وما زال الكثير من الروايات  التي تحمل بصمة النجاح لا تجد الطريق للخروج من الأماكن المغلقة الى الفضاء العربي، اننا ننظر الى الرواية العراقية بعدسة النقد الموضوعي ولا ننسى ان هناك روائيا محترفا وكاتب رواية يحاول فك طلاسم هذه الصنعة الجميلة.

منطقة عليا بين القص والشعر الروائي علي لفتة سعيد لم ير أن هنالك صعودا في الرواية إذا ما قورن بما ينشر من الرواية بما ينشر من قصة وشعر فهاهو يقول موضحا : يعتقد البعض إن هناك مثل هذا الصعود في الكم والنوع على حساب الأجناس الأخرى كالشعر والقصة، والحقيقة غير ذلك والسبب يعود الى الإعلام والنقاد كونهم اتجهوا إلى الرواية فسلطوا الضوء على ما صدر على أساس أن الرواية لها مريدون ومتلقون، ولكن لو تأملنا الصحف والمواقع الالكترونية وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي سنجد أن عدد القصص التي تنشر والقصائد أكثر من الروايات وان المجاميع الشعرية والقصصية كذلك.. ورغم الاعتراف أن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت مثل هذا التوجه الروائي في الاصدار لأن المتلقي متأثر أيضا ولأن الرواية هي محطة لصناعة تأمل جمالي بعد التأثر بالمخيلة، ولهذا فإنها تعيد صناعة الإصغاء الى الروي الذي يعرف به العربي في ليالي الشتاء كما نقول وأهميته تكمن في  أن الرواية عالم قائم بذاته واضاف سعيد أيضا : لرواية منطقة عليا بين النص القصصي التأملي وبين النص الشعري الانفعالي التأملي ايضا ولهذا فان ما يمكن ان يعطيه النص الروائي هو حصيلة ما تعطيه القصة والشعر معا في عملية التأمل والدهشة والتفكير والتخيل ومن ثم صناعة منطقة الحكي والإصغاء مع الحبكة..

جوائز الرواية الروائي محمد حياوي تحدث في بداية رأيه عن دور الجوائز في عالم الرواية لافتا إلى عدم اقتناعه بالرأي القائل بأنّ الجوائز تمثل معيارا للتميز، وذلك بالنظر للآليات والظروف المربكة التي تحيط بها، خصوصاً في عالمنا العربي، مؤكدا أنها لا تعدو عن كونها وسيلة لتكريس أسماء أو ظواهر ادبية معينة، مبينا أن الرواية مالم تحقق انتشاراً حقيقياً في أوساط القرّاء وتلفت انتباه النقّاد، لا يمكن أن تمتلك مشروعيتها النقدية، ثم تساءل حياوي قائلا: ما أكثر الروايات التي فازت بجوائز ولم تحقق انتشاراً يذكر أو يلتفت إليها القرّاء والنقّاد على حد سواء؟. وقال أيضا: إن المدّ الروائي الذي يشهده العراق بعد العام 2003 هو ظاهرة لافتة في الحقيقة، لجهة الكم الهائل المتفاوت بالضرورة في المستوى والتقنيات، ولم تقتصر تلك الفورة على العراق وحدة، بل تتجاوزه إلى أغلب البلدان العربية، والسبب الحقيقي وراء ذلك هو ضخامة المبالغ الخليجية التي باتت تُخصص للجوائز، فبتنا نشاهد شعراءً ونقّاداً ومؤلفين في مجالات أخرى غير الأدب، يقدمون على كتابة الرواية لتجريب حظهم. بالتأكيد ثمة كثير من الروايات العراقية المتميزة التي كُتبت بعد العام 2003 وحققت حضوراً وتفرداً واستطاعت لفت انظار النقد إليها، لجهة تناولها قضايا مهمة تتعلق بالمتغير المجتمعي والسياسي العميق الذي حصل في البلد، لكنّها مع ذلك تبقى قليلة بالنظر للكم الهائل الذي صدر حتى الآن.

أسباب كثيرة الروائي الدكتور علاء مشذوب رأى أن أسبابا كثيرة جعلت الرواية العراقية بعد عام 2003 تنمو لتبدو مثل نخلة باسقة. لأن العراق الجديد مر بزلازل وكوارث وأوبئة من الإرهاب ما لا يستطيع أي فن أو أدب، سوى الرواية التعبير عنه، كونها أضحت ذاكرة الشعب بعد تراجع عالم التاريخ والجغرافية والفكر والفلسفة؟ أو لأن الرواية أصبحت معرفية لتشتمل كل تلك الأنواع من الفكر والفن والأدب. مشيرا إلى أن توفر فضاء واسع من الديمقراطية والحرية والوعي، وإزاحة ثورة الاتصال والتواصل لغشاوة القيم الزائفة عن عيون الناس، جعل كثيرا من الشباب فضلا عن الجيل القديم يتصدى لكتابة الرواية، ويقتحم أسوار الجوائز العربية ذات الصبغة العالمية ليحصد الجو

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *