تشخيص عيوب العرب الثقافية

تشخيص عيوب العرب الثقافية
آخر تحديث:

عقيل عبد الحسين

تبدو المذكرات في ظاهرها شكلا سرديا بسيطا أقرب إلى التاريخ الذي يمتزج فيه العام بالخاص. ولكن لا بد من أن صفة الأدبية تلحق بها من سمة لازمة لأي نوع أدبي، وهي تضمنها موقفا غيرمعلن من الذات،والعالم. وسأوضح ذلك عبر استعراض كتاب مذكرات حسن الكرمي،الإذاعي، فلسطيني الأصل الذي يعرفه أغلب قرّاء كتابه ببرنامجه (قول على قول) الذي كان يُبث،مدة زادت على ثلاثة عقود، من إذاعة الـ(بي بي سي) البريطانية. عنوان الكتاب(مذكرات حسن سعيد الكرمي)، وصدر في عمّان عن منتدى الفكر العربي العام 2015،أي بعد وفاة صاحبها العام 2007. المذكرات وجدتها ابنة الكرمي، سهام،بالصدفة،وقررت نشرها بعد أن حررتها،هي والباحث الأردني كايد مصطفى هاشم. تتضمن المذكرات خلاصة تسعة عقود تقريبا من حياة كاتبها الذي عاش أكثر من مئة سنة، فقد ولد في القدس العام 1905.وهو يذكر فيها أحداث الصراعات العربية العربية،وأثرها في إضعاف العرب، وتمكين العصابات الصهيونية منهم،ومن أرضهم، انتهاء باعلان الدولة اليهودية. تحدّث الكرمي عن عدد من الشخصيات والملوك والرؤساء العرب،ملمحا إلى بعض عيوبهم من دون تصريح، خوفا، مثلما يظهر،من عواقب التصريح.وقد عرفتُ في هذا السياق أنه أودع آراءه الصريحة في عدد من الشخصيات الهامة ووقائع عرفها عنهم، في رسائل رأت عائلته أن تحتفظ بها طيّ الكتمان إلى أن يحين الوقت المناسب لنشرها. تورد المذكرات، في نسق تتابعي تاريخي، الحوادث التي عاشها الكرمي من البداية وصولا إلى استقراره في أواخر عمره في عمّان، وبلغة مكثفة، فهو يختصر حوادث عمر طويل بما يقارب مئة وعشرين صفحة من القطع الكبير. وهو يبدأ بسرد الوقائع الشخصية من بدايتها، كدراسته، وينتقل إلى سرد الوقائع العامة،كعادات بعض البلدان التي زارها للعمل فيها، ثم ينتهي بتشخيص عيوب العرب الثقافية والعلمية.يقود هذا الاختلاف في محتوى المذكرات إلى تشخيص أولي للموقف من العرب الذي تتضمنه المذكرات. وهوموقف يمكن أن يحدد عبر قراءة الوقائع الشخصية التي ترد في بداية المذكرات. ومنها على سبيل المثال واقعة الجهد الضائع. وملخصها أن الكرمي يذكر،حين كان صغيرا،أن والده الشيخ سعيد الكرمي، وكان أحد رجال الدين والافتاء المعروفين، اتهمه العثمانيون بالعمل، على إزالة الخلافة العثمانية فحكموا عليه مع أشخاص آخرين، بالإعدام، ثم خُفف الحكم إلى السجن المؤبد. وبغياب الوالد أصاب العائلة الفقر، فاضطروا إلى زراعة أرض كانوا يرجون منها محصولا يعينهم على فقرهم. ولكن صادف أن اجتاح الأرض الجراد، فقضى على الزرع،فلم يجنوا أي شيء منها. تنتظم حوادث أخرى شخصية في سياق المذكرات، وأغلبها ينتهي باللاجدوى، فيما يشكل أفقا دلاليا يوجه اختيارات الكاتب من الحوادث التي عايشها، للسرد في الكتاب.إذ ان كل ما يختاره ويضعه في فصول الكتاب يأتي لتشكيل حكاية مفادها الفشل في المسعى والإحساس بالخيبة على المستويين العام والشخصي. ولذا ينتهي الكتاب بوقفة مفصلة مطولة نسبيا على عيوب العرب والثقافة العربية.ومن تلك العيوب ان العرب مقلدون للغرب حتى مع أنهم يحملونه مسؤولية ما هم فيه من خراب واضطراب. وأن علماءهم تنقصهم القدرة على التجريد واستخلاص الحقائق من الظواهر. وأن الكتابة الأدبية العربية تميل إلى إيراد الحوادث من غير الاهتمام بالروابط بينها، ولذا هي لا تقدم معرفة حقيقية. وغير ذلك من العيوب. والفصل مع ما تضمنته المذكرات من حوادث يشير ضمنا إلى أن ما قضاه حسن الكرمي من حياة طويلة في الدراسة والعمل الإذاعي والثقافي، لم يحصد منه سوى الذكرى،فلا هو حقق شيئا من آماله، ولا رأى فلسطين تعود إلى أهلها، ولا الأمة تتقدم في شيء. يمتاز الكتاب، فضلا عما ينطوي عليه من موقف ناقد للذات وللعالم،بأنه ممتع ومفيد للقارئ بما يقدمه من معلومات تاريخية، وهو مفيد للثقافة التي تتطلب المراجعة والنقد وإعادة النظر في التجارب الشخصية والعامة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *