ثرثرة انتخابية فوق دجلة !! … بقلم جمال محمد تقي

ثرثرة انتخابية فوق دجلة !! … بقلم جمال محمد تقي
آخر تحديث:

الثرثرة فوق دجلة هنا ليست كالثرثرة فوق النيل هناك ، في رواية الراحل نجيب محفوظ ، لان ثرثرة الشلة السياسية المستقتلة على الفوز باكبر مساحة من السلطة وباي حيز كان على حكم النواحي والاقضية والمحافظات او الوزارات في العراق هي من النوع الذي لا يؤدي لتحشيش المثرثرين انفسهم كما في ثرثرة رواد عوامة النيل ، وانما لتحشيش من تقع على رؤوسهم خطب ومفخخات ووعود ورشاوى وتحريضات المرشحين المثرثرين بكل ما ملكت ايمانهم وبأسفاف وابتذال قل نظيره حتى وصلت ابعاده الى عوامات السحر وقراءة الطالع بعد ان مر بدروب الاغتيالات والمؤامرات الرخيصة والاجتثاث وكيد المخبر السري !

تتجلى اهمية انتخابات مجالس المحافظات في العراق لكونها محكا وتمرينا لحجوم وتأثير كل الكتل المشتركة بالعملية السياسية القائمة ، والفوز بها يعني ان الكيان قد قطع اكثر من نصف الشوط باتجاه الفوز بالانتخابات البرلمانية العامة ، فهي اضافة لكونها منتجة لمجالس الحكومات المحلية في المحافظات والتي تستطيع لاحقا التأثير على الرأي العام في مناطقها من خلال مسيرة الاداء المحلي والتي ستستغرق اربعة سنوات ، ستجسر حتما لاختيارات الناخب الاشمل حيث البرلمان المركزي والحكومة المركزية والتي ستجري انتخاباتها في نهاية العام القادم .

 تجري انتخابات مجالس المحافظات القادمة والمقررة في 20 ابريل الجاري ، بظروف شديدة التعقيد وعلى اكثر من صعيد ، فهناك اصطفافات متغيرة ومفترقات لايمكن تجاوزها بين كيانات الصنف المكوناتي الواحد من جهة وبين الاصناف المكوناتية المختلفة من جهة اخرى .

في انتخابات مجالس المحافظات الاولى والتي جرت عام 2005 قاطعت اغلبية القوى السياسية السنية تلك الانتخابات ، وانفرد وقتها الحزب الاسلامي بمجالس محافظات الانبار وديالى وصلاح الدين اما نينوى فقد سيطر على مجلسها ، قائمة نينوى المتآخية ، وهي تكتل انتخابي تابع للاحزاب الكردية التي وجدت نفسها منفردة في انتخابات غابت عنها الاكثرية العربية ، اما محافظات الوسط والجنوب فقد تقاسمت مجالسها الاحزاب الشيعية جملة وتفصيلا ، وكانت حجوم القوى بينها متقاربة خاصة بين جماعة المجلس الاعلى وحزب الدعوة والفضيلة اما التيار الصدري فكان معتكفا عن الانغماس بالعملية السياسية وانتخاباتها ، اما انتخابات مجالس المحافظات لعام 2009 فقد ابرزت نتائج مختلفة ، منها مشاركة واسعة للمحافظات السنية وظهور قوى اخرى منافسة للحزب الاسلامي الذي انحسر نفوذه في اغلب مجالس المحافظات ، وفي محافظة الموصل حصدت قائمة الحدباء العربية اكثرية مقاعد المجلس وبات واضحا ان الغلبة في المحافظات السنية كانت للتيار القومي والعشائري الى جانب الاسلاميين والعلمانيين ، اما في محافظات الوسط والجنوب فقد تفوقت قائمة دولة القانون التابعة لحزب الدعوة على منافسيها التقليديين في المحافظات الشيعية ، والاهم من ذلك فوز دولة القانون بنسبة 38 بالمئة من الاصوات في العاصمة وبنسبة 37 بالمئة في البصرة ، وبالمقابل انحسر نفوذ المجلس الاعلى وحزب الفضيلة ، اما التيار الصدري فقد برز كند غير تقليدي في العديد من المحافظات الجنوبية والوسطى للصعود المتواتر لدولة القانون فيها ، وهذا ما انعكس لاحقا على نتائج الانتخابات البرلمانية  العامة التي جرت عام 2010 والتي فرزت استقطابا طرفيه كانا نوري المالكي وقائمة دولة القانون واياد علاوي وقائمة العراقية ، والصدر كحليف مشاكس للمالكي والتحالف الشيعي الذي يساند حكومته والذي يجمع المجلس الاعلى والفضيلة وتيار الاصلاح للجعفري والكفاءات الشيعية المستقلة .

انتخابات مجالس المحافظات القادمة هي اول ممارسة انتخابية بعد اتمام الانسحاب الامريكي من العراق 2011 ، وهي بالتالي محطة انتقالية محفوفة بمخاطر التجريب ، حيث الاختبار الجدي لنوايا القوى المتنافسة على السلطة ومدى استعدادها لتقبل فكرة التبادل السلمي للسلطة وجدية الشروع ببناء دولة المواطنة العابرة للطائفية والاثنية ومغادرة كل المتاريس التي تعيق وحدة وتقدم العراق وشعبه !

على قاعدة النتائج والمقدمات ، والرسائل التي تقرأ من عناوينها اولا ، فان كل الاولويات الخاصة بهذه الانتخابات تفشي بما ستؤديه الى تخندقات طائفية واثنية ، وتصارع حد التقاتل والتناطح ، والتسابق على المقعد الاول لضمان تكريس ماهو قائم من سلطة ونفوذ للمتحاصصين ، ولبعضهم تمدد سلطته على حساب حصص الاخرين باسم الدولة وقانونها الذي يجافي الجوهر الوطني للدولة والذي يعتبر المواطن الوحدة الاساسية لبناء الوطن وليس المكون الطائفي والاثني والمناطقي .

ثرثرة وبكل الاسلحة المتاحة لاقصاء المنافسين والانفراد بالاغلبية ، باساليب قبلية وطائفية ومتطرفة ومتخلفة في اغلب الاحيان ، على سجية انصر اخاك ظالما ومظلوما ، اغتيالات للمرشحين في بغداد والكوت والموصل وتكريت ، استخدام مبطن للمال العام ، فوضى دعائية لكيانات واحزاب تعمل بلا قانون ، واجواء مشدودة للمغالبة وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة ، رئيس الوزراء الذي يقود حملة قائمة دولة القانون الانتخابية يدشن حملته في محافظات الجنوب والوسط منطلقا من مدينة البصرة وهو يوعد جمهوره باكتساح الساحة الانتخابية ، مانا على العراق كل العراق بقوله ، لولا قائمة دولة القانون لانهار العراق ، حزب السلطة الاول يغانم الاخرين في ذات الوقت الذي يجمع عليهم ملفات فاسدة تجعلهم ينقادون اليه ، فأن تمردوا الملفات كفيلة بهم ، لقائمة دولة القانون وحزب الدعوة هدف شبه معلن هو عدم نقل السلطة الى اياد غير اياديهم ، وعلى هذا الاساس يجب ان يفوز الحزب بكل انتخابات تجري في العراق ، الاجهزة الامنية بايديهم والسجون بايديهم ، المال العام بايديهم ، الاعلام الرسمي بايديهم ، القضاء بايديهم ، لهم في المفوضية حصة الاسد ، وفوق كل هذا فانهم يصورون انفسهم منقذين ، ويصورون الاخرين معيقين ، لقد تركوا التحالف الكردستاني يسرح ويمرح باقطاعيته ، فبعد ان اعطوه ما اراد من نسبة في الميزانية العامة 17 بالمئة ، يشددون في الظاهر على انهم ناقمون على التحالف الكردستاني لكنهم وبالرغم من تصعيدهم الاعلامي مستفيدين مما يجري بمثل استفادة التحالف الكردستاني نفسه ، فالمالكي يكسب رضى الناقمين على توجهات البرزاني من العرب ،  والبرزاني يكسب رضى الناقمين على بغداد من الكرد والاثنين يضحكان على جمهورهما لانهما يلهيانه عن فسادهما واستبدادهما .

 قائمة دولة القانون اضعفت وشقت كل القوائم الانتخابية الاخرى شيعية كانت ام سنية ، شقوا منظمة بدر عن المجلس الاعلى ، وعصائب اهل الحق عن التيار الصدري ، اما مع القائمة العراقية فحدث ولا حرج ، العراقية البيضاء والحرة والعربية ووو ، ولم يبقى لعلاوي الا جماعة النجيفي والعيساوي بالتحالف مع صحوة ابو ريشة والحزب الاسلامي ، وعليه فان مواقف قائمة جبهة الحوار لصالح المطلك التي تدعو الى انهاء التظاهرات الاحتجاجية في الانبار والموصل بالتفاهم مع المالكي والابتعاد عن التصعيد ، تواجه برفض شديد من جماعة النجيفي والعيساوي وابو ريشة الذين يعتقدون بان المالكي يلاعبهم جميعا ، وكل هذه الاطراف ستشترك بالانتخابات القادمة اذا عبر اصحابها بطبيعة الحال ملفات الاجتثاث والارهاب !

عاد مشعان الجبوري بقدرة قادر الى الساحة الانتخابية بعد ان كان احد خصوم المالكي المطلوبين للقضاء والان هو من المنسجمين معه في مواجهة الطرف السني الاخر ، وجرى تشكيل تنظيم جديد للصحوة يستبعد فيه ابوريشة ، وتم الايعاز بتأجيل الانتخابات في الانبار والموصل حتى يتم ترويض الساحة الانتخابية بما يخدم حلفاء المالكي  ، انها ثرثرة سريالية تتطابق مع زوايا العملية السريالية او السياسية القائمة منذ احتلال العراق وحتى الان !

اكثر من 8275 مرشح يتنافسون على 447 مقعد في مجالس 14 محافظة عراقية ، ومن المتوقع ان تكون  نسبة المشاركة الحقيقية في التصويت متدنية بسبب انعدام ثقة الناخب العراقي بمجمل العملية السياسية القائمة ، وهذه الحقيقة لا تتعارض مع وجود مرشحين نزيهين بوطنيتهم ومخلصين لما يعلنوه ، لكنهم لا يشكلون حتى الان ثقلا قادرا على تغيير ملامح المشهد القائم فعليا .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *