الرواية ..ديوان العرب الجديد

الرواية ..ديوان العرب الجديد
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة اخبار العراق- يرى بعض النقاد أن الرواية هيمنت اليوم على الفنون الإبداعية الأخرى كالشعر والقصة القصيرة وأصبحت أكثرها انتشارا وازدهارا وتطورا، وأنها انتزعت لنفسها ميزات أو امتيازات وفضائل الشعر، وربما أيضا حلت عند العرب محل الشعر، بحيث يمكن القول إنها باتت ديوان العرب وإن القارئ انسحب من ساحة الشعر إلى ساحة الرواية.وقد خدم تفوق الرواية في الساحة الأدبية كونها فنا ممتدا في الزمان والمكان وبحوادثه وشخوصه؛ كل ذلك مع قدرتها على استيعاب مجالات الفنون الأخرى واستعارة أدواتها، فهي تستعير من المسرح ومن الشعر، ما جعلها من أدوات التعبير الواسعة.وترى دراسات متخصصة كثيرة أن الرواية استطاعت الافادة من كل الفنون على مستوى الشكل والمضمون، فعلى مستوى الشكل أخذت الرواية من المتغيرات الشكلية الكثيرة التي طرأت على كل الأجناس الأدبية كقصيدة النثر مثلا، وعلى مستوى المضمون فقد استوعبت الرواية حوادث ووقائع لم يكن لجنس أدبي آخر تقديمها في صيغة واحدة.وعلى ما في هذا الرأي من تحيز للإبداع الروائي إلاَّ أن المتلقي العربي لا يمكن أن يتصور اللغة العربية بدون شعر، ولا الكتابة بغير شعر، كل ما في الأمر أن الشعر الحديث أخذ يقترب من النثر ويهجر أوزاناً وتفعيلات مستبدلاً بها الموسيقى عن طريق إيقاع الكلمة بحد ذاتها، وإيقاع الحرف بحد ذاته، فضلا أن الشعر أو التجربة الشعرية محط الإبداع لا تستطيع أن تحيط بتفاصيل ومدى كالذي تنداح فيه الرواية.وفي معرض المفاضلة بين السرد والشعر قال العقاد «إن قنطاراً من القصة يساوي درهماً من الشعر، وإن القصة في معدنها من دون الشعر في معدنه، لأن النفاسة هي أن يساوي الشيء القليل الشيء الكثير».ورد عليه نجيب محفوظ مستهينا بالشعر ووظيفته «لقد ساد الشعر في عصور الفطرة والأساطير، أما هذا العصر عصر العلم والصناعة والحقائق، فيحتاج حتماً لفن جديد، يوفِّق على قدر الطاقة بين شغف الإنسان الحديث بالحقائق وحنينه القديم إلى الخيال».وقال منتصرا لفن السرد «وقد وجد العصر بغيته في القصة، فإذا تأخر الشعر عنها في مجال الانتشار، فليس ذلك لأنه أرقى من الزمن ولكن لأنه تنقصه بعض العناصر التي تجعله موائماً للعصر، فالقصة على هذا الرأي هي شعر الدنيا الحديثة. وسبب آخر لا يقل عن هذا في خطره وهو مرونة القصة واتساعها لجميع الأغراض، ما يجعلها أداة صالحة للتعبير عن الحياة الإنسانية في أشمل معانيها».ويرى الكثير من الروائيين أن الرواية الجديدة تتجاوز مفهوم الرواية ومفهوم الشعر، وتقدم عن طريق تفاصيلها وحوادثها سردا حافلا بالفلسفة والتأمل والشعر والحكايات والأساطير والكثير من الحوارات والنصوص الدينية، التي لا يمكن أن يستوعبها الشعر في صيغة واحدة وشكل واحد.ويؤكد الكاتب المصري جمال الغيطاني في حديث أن «القصة والشعر في الوقت الجاري، يلفظان أنفاسهما أمام الرواية، والرواية وحدها تستأثر حالياً بالاهتمام الأكبر، ذلك في مقابل ابتعاد وتهميش فن القصة».وقد أكد بعض النقاد من مؤيدي تراجع الشعر لصالح الرواية أن الشعر الآن لا يقرأه سوى الشعراء، ذلك لأن أغلب النصوص الشعرية تقع غالبا فريسة اللعبة اللغوية، بحيث يضع الشاعر القارئ في متاهات لغوية، والشاعر المعروف يعني الآن شخصاً مشهوراً عند شعراء آخرين فقط، وجمهور الرواية الكبير بالكاد يلاحظ وجود الشعر الذي تراجع إلى وسيلة غنائية فقط.وهذا التركيز الشديد في الشعر الحديث على الغرابة في الألفاظ والمعاني جعل الشعر بعيدا وغريبا على المتلقي الذي يحكمه إيقاع الحياة السريع وتصرفه الانشغالات الكثيرة عن الجلوس مفكرا فيما يرمز إليه هذا الشاعر وما يقصده ذاك.وقد عزا كثير من الدارسين تراجع الشعر لصالح الرواية إلى الثورات التكنولوجية في عصرنا، التي جعلت من السهل الافادة من الرواية بشكلها المكتوب وتحويلها إلى فن بصري ومرئي عن طريق تجسيد الحوادث في أفلام سينمائية.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *