النص الشعري والمقبولية القرائية

النص الشعري والمقبولية القرائية
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة أخبار العراق- حسن السلمان ..ما الذي يجعل نصا شعريا ما، نصا ذا مقبولية قرائية وقابلا للمشاركة وإعادة الإنتاج، ونصا آخر ممتنعا غير قابل للمشاركة والتفاعل؟. بعبارة أخرى،  ما النص الطارد للمتلقي وما النص المستضيف له؟.
كثيرة هي الأسباب التي تجعل النص الشعري نصا طاردا للمتلقي ومنها هيمنة النزعة الذهنية / التجريدية على بعض النصوص التي تتوخى تكوين انطباعات عمومية ( فوقية)  عن صفات الأشياء وماهياتها، باستبعاد التفاصيل والخصائص والمكونات والحرص على تقليل المعطيات  والتركيز على السمات والسلوك، الأمر الذي يجعل من عملية التواصل والمشاركة عملية فوقية هي الأخرى في افضل الأحوال، ونعني بأفضل الاحوال هذه، توافر ( قدرات تجريدية) لدى المتلقي كي يتمكن من قراءة النص.
 لنخلص أخيرا من أننا إزاء نص نخبوي متعال عصيا على المشاركة الواسعة الانتشار والمقبولية.
 ويقابل ذلك النص ذو المقبولية القرائية بنزعته التجسيدية، وفضائه المدعوم بالموضوعة الشعرية المحددة ، و( واقعيته الفائقة)  التي تركز على تطعيمه بالتفاصيل ذات الصلة وإيجاد أرضية معرفية  مشتركة بين المرسل والمتلقي لتحقيق التواصل والتأثير المشترك ومن الأسباب الأخرى التي تجعل النص الشعري نصا طاردا للمتلقي، المغالاة في صناعة الصورة الشعرية بلاغيا حيث يجري غالبا إيجاد علاقات معقدة، تعسفية، بين مفردات وفقرات لاتوجد بينها أي صلة عضوية،  أو ينتظمها حقل دلالي بعينه ضمن آلية بلاغية ما، مايجعل عملية استيعابها وهضمها عسيرا.
 بينما  تلعب السمة العضوية دورا كبيرا في إيجاد نوع من التناغم بين المفردات بحكم وجود صلات قربى ووشائج بينها تفرضها السمة العضوية، وتيّسر عملية هضم دلالات النص وإمكانية تحصيل معناه بعيدا عن التراكيب المعقـدة والحذلقــة والتذاكي.
 بينما تشكل الجمل الشعرية الاستطرادية الطويلة، والنصوص التي تتشكل على هيئة كتل تحتل الصفحة بكاملها، عائقا أمام عملية السيطرة على معنى النص وملاحقة دلالته، خلافا للنص الشطري المقتصد لغويا والمكتنز/ المكثف الذي تسهل مهمة قراءته وتحصيل معناه نظرا لسيطرة المتلقي على مجرياته الشعرية، وقد ألمح الناقد والمترجم العراقي سعيد الغانمي في كتابه ( منطق الكشف الشعري) إلى صعوبة استحصال المعنى في الجمل المتواترة / الطويلة / المدورة، بسبب من محدودية قدرات الذاكرة البشرية على اقتناص المعنى من هكذا جمل شعريــة.
 وتبقى النصوص الشعرية التي تفتقر إلى الحس الانساني الحميمي بطابعها الوجداني، وتفاصيلها الحياتية الملامسة لهموم وقضايا الناس مجرد نصوص باهتة، باردة، لاترضي ولاتلبي طلبا  إلا  طلبات ورغبات صانعها. الأمر الذي يجعل وجودها من عدمه سيان.
أدناه نص من النصوص المقبولة قرائيا  للشاعر الأميركي تشارلز بوكوفسكي بعنوان (اعتراف) وهو من ترجمة الشاعرة فاطمة نعيمي، حيث تتوافر فيه الكثير من سمات وخصائص النص المقبول قرائيا حيث العضوية، والحميمية، والتجسيدية، والتلقائية، والاختزال، والاكتناز .
أنتظرُ الموت
كقط يتهيأ للوثوب على سرير
أشعرٌ بالشفقة على زوجتي
سترى هذا الجسد المُتيبّس الشاحب
تهزّه..تناديه: “هانك”
لكنه لن يُجيب
هانك لن يجيب
ليس موتي هو ما يُقلقني.. إنها زوجتي
هذه التي سأتركها مع اللاشيء
مع هذا أريدها أن تعلم
ان كل الليالي التي نمتُ فيها بقربها
وحتى كل تلك الخلافات اللامجدية كانت رائعة
وإن كل الكلمات التي استصعبتُ قولها آنذاك
يمكنني الآن أن أقولها:
أُحبُّكِ .  

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *