تراجيديا مدينة.. مشرقون وظلاميون

تراجيديا مدينة.. مشرقون وظلاميون
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة اخبار العراق- عبد عون الروضان بعد روايته «أفراس الأعوام» الفائزة بالجائزة الأولى ضمن مسابقات دار الشؤون الثقافية العامة / 2011، تلتها رواية «اسم العربة» التي وضع لها عنوانا فرعيا «حكاية الرجل الذي حاور النار»، يطالعنا زيد الشهيد بروايته الجديدة «تراجيديا مدينة» الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر/عمان – بيروت 2014 . قرأت الروايتين أعلاه بإمعان وكتبت عنهما في حينه بما يستحقان من كونهما علامتين مميزتين في الرواية العراقية الصادرة بعد التغيير 2003، وأكاد أجمع على أن ما يؤلف بين هذه الروايات الثلاث هو ميل الكاتب بشكل واضح إلى : * الاهتمام بالتفصيلات الزمانية والمكانية . * الأسلوب الحكائي، إذ تكون الرواية الواحدة مجموعة حكايات متداخلة ومتناسلة لتشكل البناء المحكم للرواية وهو أمر لا شك يحتاج إلى دربة وحنكة روائية تستطيع الإمساك بخيوط اللعبة وتوجهها نحو ما يخدم الحدث . في هذه الرواية الجديدة يكون «ناصر الجبلاوي» ذاكرة المدينة التي هي السماوة، المدينة التي ينتمي إليها زيد الشهيد بكل روحه وكيانه وتماهى معها حد الوله هو الذي يعرف عنها كل تفصيلاتها وكل أسرارها وتناقضاتها ويعرف كل من هب ودب على ترابها فيكاد الجبلاوي هذا أن يكون زيد الشهيد نفسه مسلحا بكاميرا فوتوغرافية يعشقها ويعتني بها يؤرخ أحداث المدينة وشخصياتها الفاعلة والخاملة ويعلق صورا بالحجم الطبيعي لناصر حكيم وغيره. تمر شميران المسيحية مع بعض من «صويحباتها» هي الوافدة إلى السماوة حديثا مع أبيها وأمها تمر أمام محل أبيها فيشاهدن الدشاديش المخاطة حديثا معلقة بمسامير على مستطيل خشبي تعلوه صورة عبد السلام عارف، ضحكن للصورة فهز الرجل رأسه وقال: «كانت بدلها صورة الزعيم وقبله المليك الشاب.. ماذا نفعل لكل زمان دولة ورجال. السياسة في بلداننا العربية دمار.. «(تراجيديا مدينة / ص 217). الرواية مذهلة فيها اختلط الحابل بالنابل وتشابكت أغصانها وفروعها وتقاطعت طرقاتها ومسالكها ودخل الزمان بالمكان والواقع بالحلم ائتلفت شخصياتها واختلفت وتصالحت وتخاصمت، فيهم الطيبون والشريرون ويبقى يوسف بن سلطان الشاهر الشخصية الألمع، فهو القارئ النهم للمعرفة الذي يحب الدكتور علي الوردي ويحبه الدكتور كذلك ويعده من أنجب تلاميذه، يوسف الشخصية الفذة الذي يشكل جناح الخير والمحبة والسلام مع ابنة المؤمن التي تقود المظاهرات في مدينة السماوة وتنادي بحقوق المرأة عبر رابطة المرأة العراقية، هاتان الشخصيتان هما الجانب المشرق والمضيء في رواية «تراجيديا مدينة» إلى جانب الركام من الشخصيات المتكالبة والمتصارعة في ما بينها من أجل مكاسب دنيوية تافهة للسحت الحرام ويقف ناصر الجبلاوي بكاميرته ليؤرخ تراجيديا مدينة السماوة. إن شخصية يوسف بن سلطان الشاهر هي الشخصية الأكثر أثرا والأعمق في هذا البناء الروائي المحكم؛ فهي الشخصية التي تمثل ذروة التراجيديا والمأساة، فليس من السهل أن يتهم شخص لامع مثل يوسف تشرب حب العلم وعشق علي الوردي حد الوله ليس من السهل أن يتهم شخص مثله بقتل أبيه الذي يحبه بتدبير الفاعل الحقيقي «شراد هديب» صاحب السجل الحافل بالجرائم الكبيرة أقلها قتل خاله بسبب النزاع حول حصة ماء السقي والذي أمضى سنوات طويلة من عمره في السجون والذي حاول أن يلصق التهمة به وقام بقتل بائعة القيمر التي شهدت جريمته ثم قام بتسليمه إلى المفوض «رشاش جاسب» الذي يخضعه إلى تعذيب قاس في محاولة لحمله على الاعتراف بجريمة هو بعيد عنها كل البعد. الجانب المظلم في الرواية هو المسيطر، فالشخوص الظلاميون كثر يقابلهم عدد قليل من الشخصيات التنويرية لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة على رأسهم يوسف بن سلطان الشاهر وبنت المؤمن وناصر الجبلاوي، كما أن هناك شخصيات وسطية كثيرة جدا. يحتل المكان في رواية «تراجيديا مدينة» حيزا مهما كما في روايتيه «السابقتين» بالذكر فهو مولع حد العشق بسرد أسماء الأمكنة التي تمثلها مدينة السماوة، شوارعها وطرقاتها وساحاتها وجسورها ومحال بيع السمك وأسواق القصابين والحدادين ودور السينما ومحال اللهو ونهر الفرات الطاغي.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *