ثمرة سعداوي في رواية( فرانكشتاين في بغداد )

ثمرة سعداوي في رواية( فرانكشتاين في بغداد )
آخر تحديث:

بغداد/ شبكة أخبار العراق- كل متابع للحراك الثقافي الأدبي العراقي ، يجد أنّ السرد بدأ يزاحم الشعر الذي كان لقرون عديدة متسيداً الساحة الأدبية بشكل يكاد يكون مطلقاً، وليس هناك من شك في أن السبب في ذلك هو التغيير السياسي الذي حدث بعد سقوط الحكم الدكتاتوري في 2003م، وما تبع ذلك السقوط من تغييرات في مختلف اتجاهات الحياة ، وقد أصبح شبه مستحيل تَتبع كل ما يصدر لكثرته  حقاً إن بعض ما يصدر لا يرقى الى عالم الأدب ، ولكن هذه الكثرة لابُد أن تقود إلى فرز  بين الغثّ والسمين انطلاقاً من مقولة  التراكمات الكمية تؤدي إلى تغييرات نوعية)، وفن الرواية هو الذي أفرز أعمالاً لها بصمتها الواضحة على المستويين الإعلامي والفني ، وغرابة أحداث الواقع دفعت المبدعين الى الغوص في بحر ما يحدث، لأنه سرد مبعثر يحتاج اليد التي تنسج خيوطه ليكون أدباً، فَغاصَ سنان أنطون في روايته الرائعة ( وحدها شجرة الرمان)، فَجاد لنا بتحفة في عالم الرواية ، ومِن الطراز نفسه رواية أحمد سعداوي ( فرانكشتاين في بغداد ) ، والروايتان تطرقان ثيمة واحدة أحداثاً وزمناً ، إذ تتناول الروايتان ما أحدثته نارُ الاحتلال والطائفية .جاء عنوان رواية أحمد سعداوي ( فرانكشتاين في بغداد ) موحياً بالغرابة ، تلك الغرابة التي تأتي بشخصية هي مِن نتاج الثقافة الغربية ، وتجعلها في بغداد بكل ما فيها من رموز الثقافة الشرقية ، فالكاتب من خلال ثريا النص يشير الى غرابة ما سيحدث وقد أخضع الكاتب ( فرانكشتاين ) الى تعريق حتى في الاسم ، فمنحه اسمه العراقي وهو ( الشِّسمَه) ، وهو مِسْخٌ مركب من عدة أجزاء لضحايا الانفجارات في بغداد ، تُبعث فيه الحياة لينتقم من المجرمين ثأراً للأبرياء ، ربما لجأ الكاتب الى هذا المسخ لأنه – الكاتب – كان يائساً في مجمل قناعاته من وجود مخِلّصٍ واقعي ، فلجأ الى احياءِ ميتٍ ، ولكن ثمةَ مسألة تثار وهي أن مَن بَعَث الحياة في ( الشسمه ) ، هو هادي العتّاك ، بتجميع أعضاء له من ضحايا آخرين ، وشخصية هادي بتكوينها النفسي والفكري والبدني لا يمكن أن تمنحنا مبرراً للقيام بمهمة إحياء ( الشسمه ) ، وقد كان الصحفي محمود السوادي هو الأكثر تأهيلاً للقيام بتلك المهمة ، مهمة احياء ( الشسمه) فشخصية الصحفي هي الأقرب الى شخصية الكاتب نفسِه واسناد أي فعل من الأفعال لها يجعل الكاتب ادرى بتركيبها، وان كان المؤلف يرفض أن تكون شخصيةٌ ما في أي عمل روائي تمثل شخصية المؤلف، ويرى في مقابلة أجرتها معه مجلة إمضاء في العددين السابع والثامن أن :البحث عن الروائي داخل الرواية هو بحث عابث لا معنى له ، فكل ما ترويه الرواية تُحيل ( يحيل) اليه« ، صحيح جداً أن كل ما ترويه الرواية يحيل الى المؤلف ويمثل فهمَه وموقفه ، ولكن البحث عن شخصية الروائي ، سيلقي ضوءً كاشفاً على احداث الرواية وجذورها النفسية والاجتماعية انطلاقا مِن معرفة هذه الجوانب في شخصية الروائي ، والمؤلف لا يموت ابداً انما هو حي يشير اليه كل حرف رسمه على وجه الفضاء الأبيض ، وثلاثية نجيب محفوظ الخالدة ، ستُفهم أكثر إذا ما عرفنا أن كمال عبد الجواد هو نجيب محفوظ نفسه ، ولكنَّ صنعة الرواية واشتراطاتها الفنية توجب الاضافة والحذف، مع المحافظة على الجوهر ، لأننا في عالم فن الرواية ولسنا أمام فن السيرة الذاتية التي ترفض الإضافة والحذف وتعدهما خيانة وتدليساً ، وفي المقابلة نفسها يشير سعداوي الى مسألة مهمة وهي أنه يرفض إنتاج : « روايات تذهب الى نمط معين من القراء ويقصي الأنماط والأمزجة الأخرى « ، هذا الرأي يخص ذلك الأدب الذي يكتب لنخبة ، والأعمال الأدبية والفنية بشكل عام يجب ألا تذهب الى نمط معين من المتلقين ، كأن تكون غارقة في الغموض على أنه حداثة ، او تكون بلغة – خصوصاً في السرد – عصيةٍ على الفهم من قبل أغلب الجمهور ، اذ لابد من البحث عن أوسع جمهور لها ، مع المحافظة على روح الفن ، وكل إبداع بلا جمهور مَآلُهُ الموت فهو سمك بلا ماء، واللغة كما يرى سعداوي : « ليست هي جوهر العملية الفنية في الرواية « وهو يقصد هنا اللغة الشعرية ، وهذا رأي في غاية الصواب ، وان كانت هناك نماذج سردية تعتمد في منهجها اللغة الشعرية ، كقصة حب مجوسية لعبد الرحمن منيف، ولكن يجب أن ينتبه كتاّب السرد الى أن الترهل في الصياغات اللغوية ليس في صالح العمل القصصي ، وفي (فرانشكتاين في بغداد ) بعض من صياغات مترهلة وبعض من الأخطاء النحوية ، كرفع خبر كان ، وتلافي هذه الهفوات سيجعل بناء الرواية ، أصح وأمتن ، ولاشك في أن اللغة هي سلاح الادب والأديب مهما كان نوع الثمر المرتجى، وهنا لابد من الاشارة الى خطر الألفاظ الموغلة بالعامية، لأنها ستكون عاملاً من عوامل عدم انتشار العمل الأدبي، ومن ذلك ما ورد في الصفحة 82 : «شِنو هذا الحكي… أخَّ الأخَّل»، واني لواثق من أن بعض العراقيين لا يفهم : ( أخَّ الأخلْ)، فهل ضاقت اللغة في التعبير عن المعنى المقصود؟! ولو ترجمت هاتان اللفظتان الى الانكليزية مثلاً، فأنهما وما شابههما حجرٌ يوضع أمام عجلة انتشار الرواية .تُحسب للكاتب جرأته في السخرية من السلطة ممثلةً بالناطق باسمها الذي يدعي زوراً إفشال الهجمات بالسيارات المفخخة اذ يحدث انفجار بعد انتهاء المؤتمر الصحفي بثوان لذلك الناطق الرسمي فيقابل هذا الانفجار بأنفجار شعبي ساخر حين « عَفَطَ صاحب المطعم عفطة طويلة متموجة« بعد نهاية المؤتمر الصحفي الذي أعقبه انفجار جديد» .كانت شخصية فرج الدلال مجسّدة بعمق لواحد من هذه الفئة المنتشرة دكاكينها في كل مكان انتشار الجدري في وجه المجدور، ولست أدري كيف أفلت هذا الدلال الجشع من عقوبة الانتقام من قبل ( الشسمه ) أو غيره ، وهو جدير بعقوبة كعقوبة ( أبو زيدون) ، ذلك الحزبي الذي ارتضى لنفسه أن يرتكب جرائم بحق الشعب خدمة للحزب ، فانتهى مقتولاً شرّ قتله .ثمة تساؤل عن سبب اختيار الشسمه الشحاذين الأربعة لقتلهم في أول عمل انتقامي له ، فإذا كان ( فرانكشتاين – الشسمه ) يمثلنا نحن العراقيين ، كما صرح بذلك المؤلف ، أقول : هل للشحاذين يد في ما يلاقي العراق والعراقيون ؟! وهل نرضى أن تكون التفجيرات واختيار أماكنها بتأثير المنجمين ، وكأن المفجرين آلاتٌ يوجهها أولئك المنجمون ؟! وإذا ما بحثنا عن ما وراء السرد ألا يمكن أن يكون إسناد فعل التفجير ومكانه الى المنجمين ، وكأنه عذر لأولئك المفجرين أنفسهم ، أقول هذا مع جزمي بأن رواية ( فرانكشتاين في بغداد ) ستبقى واحدة من الروايات المهمة ونجمة في سماء الرواية ، وهي حصيلةُ ثقافة وجهود مضنية لكاتب كتب ثلاث مسودات لروايته ، ثم أخرجها ثمرة دانية القطف ، لتكون شهادة ادانة لما يحدث ( شرق المتوسط) ، وهي الصدى و ( الرجع البعيد ) والعميق لصوت الواقع .

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *