حرية الكلام حرية التعبير

حرية الكلام حرية التعبير
آخر تحديث:

ياسين طه حافظ
استياءاتنا الكثيرة وما واجهناه ونواجهه من استلاب جعلنا نعيش يومياً مشكلة حرية الكلام والأوسع منها حرية التعبير. وهنا لابدَّ من إيضاح أن حرية الكلام هي غير حرية التعبير مصطلحاً ودلالةً. الأولى مرتبطة باللغة، هي وسيلتها وهي تعبير صوتي، والتعبير قد يكون باللغة أو بحرق علم أو بالحجارة أو بإحراق الإطارات أو التظاهر فضلاً عن الكتابة والتواصل الاجتماعي والتمثيل والرسوم وسواها. المهم ان حرية التعبير- الكبرى صارت قضيَّة تتبنَّاها الأحزاب الثورية والمعارضة للحكومات. وخارج الأحزاب يتبنَّاها المثقَّفون الفرديون ومنظمات المجتمع المدني. بإيجاز، هي مطلب كل أصحاب الوعي والثقافة والعاملين من اجل التحرُّر والحياة الجديدة. ولكي نظلَّ علميين لا بدَّ من إيضاح أن أفلاطون هو أول من نادى بفرض قيود على حرية التعبير! كيف ذلك وهو صاحب الفكر الواسع والتطلُّعات الإنسانية البكر والعظيمة؟
رأى افلاطون أن الواقع، كما هو، انعكاس غير مثالي لعالم “الأشكال” المثالي. وان عالم التأمُّلات الفلسفيَّة هو غير عالم العموميَّات.. طبعاً، هذه ممارسة فيها نوع من الاستبداد “النظيف” مارسه افلاطون للحفاظ على حكامه المثاليين في جمهوريته أو دولته المثالية. وهو يرى أن الفن والأدب بعيدان عن الواقع، فهما يشوِّهان الواقع حين يتحدَّثان عنه..المهم أنَّنا الآن عند أول تقاطع في الرؤى أو في المصالح. الحكومات في عصرنا وريثة أحكام أفلاطون أو ان تقاطع المصالح أوجد تلك الرؤية المنحازة وأبقاها حتى اليوم. ما يعنينا أولاً ان افلاطون أدان الأدب والفن، ثانياً ان الأدب والفن هما من وسائل التعبير، وهما لذلك تحت طائلة افتقاد الحرية وهما في جبهة النضال من اجلها. هما عنصران فاعلان، مسهمان شديدا الفعل في قضية الحرية. وهذه متعلِّقة بالخبز وظروف العيش وكشف الأضرار أو الابتزاز والأخطاء ومصادرة الإنسان فكِّراً أو حياةً. نحن لا نقصر حرية التعبير عمَّا لا نرضاه أو على كشف الإيمان أو عدم الإيمان ولا حتى عدم الارتياح مما يؤمن به الناس ويرتاحون له. على العكس، هذه ممارسة ضد الحرية وعلى خلاف ما نريد نحن بصدد حرية التعبير عن أفكارنا واجتهاداتنا ورؤانا. وان توفر حرية التعبير هذه بلطف واحترام لجميع المختلفين..
الثقافة تقول يجب ألَّا نخسر فرصة التعبير. قد لا نرتاح منها في مناسبة، لكنَّنا لا نستطيع أن نعيش عيشاً متحضِّراً من غير اطمئنان كامل. لكن يجب أنْ تكون القرارات التي نتخذها مستنيرة. بلا حرية تعبير يتوقَّف التقدم وتتعفن المجتمعات بتخلفها. لا يمكن أن يكون المثقف إلَّا ضد كلِّ الأسباب التي سمحت لأن تحرق كتب كافكا واينشتاين وريلكه وهمنجواي، كما فعل النازيون أما ما تعرض له المفكرون وأصحاب الاجتهاد في تاريخنا العربي الإسلامي، فتحتفظ ببعض منه لا كله كتب المؤرخين. هم يروون كم عدد الذين سجنوا أو سمموا أو اغتيلوا أو احرقوا بسبب أفكارهم. ثمة ملاحظتان، الأولى: في جميع الأحوال مطلوب منع الضرر عن الآخرين وهو المبدأ الذي اعتمده ستيوارت مل ووصفه بالتصرف الحكيم. والملاحظة الثانية وهي خاتمة طيبة لكلامنا، القول الذي ينسب لفولتير: “اكره ما تقول ولكني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقوله…”!

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *